التقدير : إلا أن يشاء الله ما وقع من هذه الحيلة انتهى. والذي يظهر أنه استثناء منقطع أي : لكن بمشيئة الله أخذه في دين غير الملك ، وهو دين آل يعقوب : أنّ الاسترقاق جزاء السارق.
وقرأ الكوفيون ، وابن محيصن : نرفع بنون درجات منونا من نشاء بالنون ، وباقي السبعة كذلك ، إلا أنهم أضافوا درجات. وقرأ يعقوب بالياء في يرفع ، ويشاء أي : يرفع الله درجات من يشاء رفع درجاته. وقرأ عيسى البصرة : نرفع بالنون درجات منونا من يشاء بالياء. قال صاحب اللوامح : وهذه قراءة مرغوب عنها تلاوة وجملة ، وإن لم يمكن إنكارها. وقال ابن عطية : وقرأ الجمهور نرفع على ضمير المعظم وكذلك نشاء. وقرأ الحسن وعيسى ويعقوب : بالياء أي : الله تعالى انتهى. ومعناه في العلم كما رفعنا درجة يوسف فيه. وعليم صفة مبالغة. وقوله : ذي علم أي : عالم. فالمعنى أن فوقه أرفع منه درجة في علمه ، وهذا معنى قول الحسن وقتادة وابن عباس. وعنه أن العليم هو الله عزوجل. قيل : روى عنه أنه حدث بحديث عجيب ، فتعجب منه رجل ممن حضر فقال : الحمد لله ، وفوق كل ذي علم عليم ، فقال له ابن عباس : بئس ما قلت ، إنما العليم الله ، وهو فوق كل ذي علم. وقرأ عبد الله : وفوق كل ذي عالم ، فخرجت على زيادة ذي ، أو على أن قوله عالم مصدر بمعنى علم كالباطل ، أو على أن التقدير : وفوق كل ذي شخص عالم.
روي أن إخوة يوسف عليهالسلام لما رأوا إخراج الصواع من رحل أخيهم بنيامين قالوا : يا بنيامين ابن راحيل قبحك الله ، ولدت أمك أخوين لصين ، كيف سرقت هذه السقاية؟ فرفع يديه إلى السماء وقال : والله ما فعلت ، فقالوا : فمن وضعها في رحلك؟ قال : الذي وضع البضاعة في رحالكم. وقال الزمخشري ما معناه : رموا بالسرقة تورية عما جرى مجرى السرقة من فعلهم بيوسف. وإن كنتم كاذبين ، فرض لانتفاء براءتهم ، وفرض التكذيب لا يكون تكذيبا على أنه لو صرح به كما صرح بالتسريق لكان له وجه ، لأنهم قالوا : (وَتَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ) (١) والكيد حكم الحيل الشرعية التي يتوصل بها إلى مصالح ومنافع دينية كقوله : وخذ بيدك ضغثا فيتخلص من جلدها ولا يحنث. وقول ابراهيم عليهالسلام : هي أختي لتسلم من يد الكافر. وعلم الله في هذه
__________________
(١) سورة يوسف : ١٢ / ١٧.