عرفتم أنه ظلم ، وباطنه أن الله أمرني وأوحى إلي بأخذ بنيامين واحتباسه لمصلحة ، أو مصالح جمة علمها في ذلك. فلو أخذت غير من أمرني بأخذه كنت ظالما وعاملا على خلاف الوحي. وأن نأخذ تقديره : من أن نأخذ ، وإذن جواب وجزاء أي : إن أخذنا بدله ظلمنا. وروي أنه قال لما أيأسهم من حمله معهم : إذا أتيتم أباكم فاقرؤوا عليهالسلام وقولوا له : إن ملك مصر يدعو لك أن لا تموت حتى ترى ولدك يوسف ، ليعلم أنّ في أرض مصر صديقين مثله.
(فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا قالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَباكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقاً مِنَ اللهِ وَمِنْ قَبْلُ ما فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ. ارْجِعُوا إِلى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يا أَبانا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَما شَهِدْنا إِلَّا بِما عَلِمْنا وَما كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ. وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها وَإِنَّا لَصادِقُونَ. قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) : استفعل هنا بمعنى المجرد ، يئس واستيأس بمعنى واحد نحو : سخر واستسخر ، وعجب واستعجب. وزعم الزمخشري أن زيادة السين والتاء في المبالغة قال : نحو ما مر في استعصم انتهى. وقرأ ابن كثير : استيأسوا استفعلوا ، من أيس مقلوبا من يئس ، ودليل القلب كون ياء أيس لم تنقلب ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها. ومعنى خلصوا نجيا : انفردوا من غيرهم يناجي بعضهم بعضا. والنجي فعيل بمعنى مفاعل ، كالخليط والعشير. ومعنى المصدر الذي هو التناجي كما قيل : النجوى بمعنى التناجي ، وهو لفظ يوصف به من له نجوى واحدا كان أو جماعة ، مؤنثا أو مذكرا ، فهو كعدل ، ويجمع على أنجية قال لبيد :
وشهدت أنجية الأفاقة عاليا |
|
كعبي وأرداف الملوك شهود |
وقال آخر :
إني إذا ما القوم كانوا أنجيه
ويقول : قوم نجى وهم نجوى تنزيلا للمصدر منزلة الأوصاف. ويجوز أن يكون هم نجى من باب هم صديق ، لأنه بزنة المصادر محصوا للتناجي ، ينظرون ماذا يقولون لأبيهم في شأن أخيهم لهذا الذي دهمهم من الخطب فيه ، فاحتاجوا إلى التشاور. وكبيرهم أي : رأيا وتدبيرا وعلما ، وهو شمعون قاله : مجاهد. أو كبيرهم في السن وهو روبيل قاله :