أي : حين واثقناك ، إنما قصدنا أن لا يقع منا نحن في جهته شيء يكرهه ، ولم نعلم الغيب في أنه سيأتي هو بما يوجب رقه. وقال الزمخشري : وما كنا للغيب حافظين ، وما علمنا أنه يسترق حين أعطيناك الموثق ، أو ربما علمنا أنك تصاب كما أصبت بيوسف. ومن غريب التفسير أن المعنى قولهم : للغيب ، لليل والغيب الليل بلغة حمير ، وكأنهم قالوا : وما شهدنا إلا بما علمنا من ظاهر حاله ، وما كنا بالليل حافظين لما يقع من سرقته هو ، أو التدليس عليه. وفي الكلام حذف تقديره : رجعوا إلى أبيهم وأخبروه بالقصة. وقول من قال : ارجعوا ثم استشهدوا بأهل القرية التي كانوا فيها وهي مصر قاله : ابن عباس أي : أرسل إلى القرية واسأل عن كنه القصة. والعير كانوا قوما من كنعان من جران يعقوب. وقيل : من أهل صنعاء. فالظاهر أن ذلك على إضمار أهل كأنه قيل : وسل أهل القرية وأهل العير ، إلا إن أريد بالعير القافلة ، فلا إضمار في قوله والعير. وأحالوا في توضيح القصة على ناس حاضرين الحال فيشهدون بما سمعوا ، وعلى ناس غيب يرسل إليهم فيسألون. وقالت فرقة : بل أحالوه على سؤال الجمادات والبهائم حقيقة ، ومن حيث هو نبي ، ولا يبعد أن يخبره بالحقيقة ، وحذف المضاف هو قول الجمهور. قال ابن عطية : وهذا مجاز. وحكى أبو المعالي عن بعض المتكلمين أنه قال : هذا من الحذف وليس من المجاز قال : وإنما المجاز لفظة استعيرت لغير ما هي له قال : وحذف المضاف هو عين المجاز ، وعظمه هذا مذهب سيبويه وغيره. وحكى أنه قول الجمهور أو نحو هذا انتهى. وفي المحصول لأبي عبد الله محمد الرازي ، وفي مختصراته أنّ الإضمار والمجاز متباينان ليس أحدهما قسما من الآخر. وبل للإضراب ، فيقتضي كلاما محذوفا قبلها حتى يصح الإضراب فيها وتقديره : ليس الأمر حقيقة كما أخبرتم ، بل سولت. قال ابن عطية : والظاهر أنّ قوله بل سولت لكم أنفسكم أمرا ، إنما هو ظن سوء بهم كما كان في قصة يوسف قبل ، فاتفق أنّ صدق ظنه هناك ، ولم يتحقق هنا. وقال الزمخشري : بل سولت لكم أنفسكم أمرا أردتموه ، وإلا فما أدرى ذلك الرجل أنّ السارق يؤخذ بسرقته لو لا فتواكم وتعليمكم. وتقدم شرح سولت ، وإعراب فصبر جميل. ثم ترجى أن الله يجمعهم عليه وهم : يوسف ، وبنيامين ، وكبيرهم على الخلاف الذي فيه. وترجى يعقوب للرؤيا التي رآها يوسف ، فكان ينتظرها ويحسن ظنه بالله في كل حال. ولما أخبر به عن ملك مصر أنه يدعو له برؤية ابنه ، ووصفه الله بهاتين الصفتين لائق بما يؤخره تعالى من لقاء بنيه ، وتسليم لحكمة الله فيما جرى عليه.
(وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ. قالُوا