الصدقات محرمة على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. وقيل : كانت تحل لغير نبينا صلىاللهعليهوسلم. وسئل ابن عيينة عن ذلك فقال : ألم تسمع وتصدق علينا ، أراد أنها كانت حلالا لهم. وقال الزمخشري : والظاهر أنهم تمسكنوا له وطلبوا أن يتصدق عليهم ، ومن ثم رق لهم وملكته الرحمة عليهم ، فلم يتمالك أن عرفهم نفسه. وقوله : إنّ الله يجزي المتصدقين شاهد لذلك ، لذكر الله وجزائه انتهى. وقيل : كانت الصدقة محرمة ، ولكن قالوها تجوزا استعطافا منهم له في المبايعة كما تقول لمن ساومته في سلعة : هبني من ثمنها كذا ، فلم يقصد أن يهبك ، وإنما حسنت معه الأفعال حتى يرجع منك إلى سومك. وقال ابن جريج : إنما خصوا بقولهم : وتصدق علينا أمر أخيهم بنيامين أي : أوف لنا الكيل في المبايعة ، وتصدق علينا برد أخينا على أبيه. وقال النقاش في قوله : إن الله يجزي المتصدقين ، هي من المعاريض التي هي مندوحة عن الكذب ، وذلك أنهم كانوا يعتقدونه ملكا كافرا على غير دينهم. ولو قالوا : إن الله يجزيك بصدقتك في الآخرة كذبوا ، فقالوا له لفظا يوهم أنهم أرادوه ، وهم يصح لهم إخراجه منه بالتأويل. وروي أنهم لما قالوا له : مسنا وأهلنا الضر واستعطفوه ، رق لهم ورحمهم. قال ابن إسحاق : وارفض دمعه باكيا ، فشرع في كشف أمره إليهم. فيروى أنه حسر قناعه وقال لهم : هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه أي : من التفريق بينهما في الصغر ، وإذاية بنيامين بعد مغيب يوسف؟ وكانوا يذلونه ويشتمونه. قال ابن عطية : ونسبهم إما إلى جهل المعصية ، وإما إلى جهل السيئات وقلة الحنكة. وقال الزمخشري : أتاهم من جهة الدين وكان حليما موفقا ، فكلمهم مستفهما عن معرفة وجه القبح الذي يجب أن يراعيه التائب فقال : هل علمتم قبح ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون لا تعلمون قبحه ، فلذلك أقدمتم عليه يعني : هل علمتم قبحه فتبتم إلى الله منه؟ لأنّ علم القبح يدعو إلى الاستقباح ، والاستقباح يجر التوبة ، فكان كلامه شفقة عليهم وتنصحا لهم في الدين ، وإيثارا لحق الله على حق نفسه في ذلك المقام الذي يتنفس فيه المكروب وينفث المصدور ويشتفي المغيظ المحنق ويدرك ثأره الموتور ، فلله أخلاق الأنبياء ما أوطاها وأسمحها ، ولله حصى عقولهم ما أرزنها وأرجحها انتهى! وقيل : لم يرد نفي العلم عنهم لأنهم كانوا علماء ، ولكنهم لما فعلوا ما لا يقتضيه العلم ، وتقدم عليه إلا جاهل سماهم جاهلين. وفي التحرير ما لخص منه وهو أن قول الجمهور : هل علمتم استفهام معناه التقريع والتوبيخ ، ومراده تعظيم الواقعة أي : ما أعظم ما ارتكبتم من يوسف. كما يقال : هل تدري من عصيت؟ وقيل : هل بمعنى قد ، لأنهم كانوا عالمين ، وفعلتم بيوسف إفراده من أبيهم ، وقولهم : بأن