قال : السلام عليك يا مذهب الأحزان. وقيل : إن يوسف قال له لما التقيا : يا أبت ، بكيت عليّ حتى ذهب بصرك ، ألم تعلم أن القيامة تجمعنا؟ قال : بلى ، ولكن خشيت أن تسلب دينك ، فيحال بيني وبينك. آوى إليه أبويه أي : ضمهما إليه وعانقهما ، والظاهر أنهما أبوه وأمه راحيل. فقال الحسن وابن إسحاق : كانت أمه بالحياة. وقيل : كانت ماتت من نفاس بنيامين ، وأحياها له ليصدق رؤياه في قوله : (وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ) (١) حكي هذا عن الحسن وابن إسحاق أيضا. وقيل : أبوه وخالته ، وكان يعقوب تزوجها بعد موت راحيل ، والخالة أم. روي عن ابن عباس ، وكانت ربت يوسف ، والرابة تدعى أمّا. وقال بعضهم : أبوه وجدته أم أمه ، حكاه الزهراوي. وفي مصحف عبد الله آوى إليه أبويه وإخوته.
وظاهر قوله : ادخلوا مصر ، إنه أمر بإنشاء دخول مصر. قال السدي : قال لهم ذلك وهم في الطريق حين تلقاهم انتهى. فيبقى قوله : فلما دخلوا على يوسف كأنه ضرب له مضرب ، أو بيت حالة التلقي في الطريق فدخلوا عليه فيه. وقيل : دخلوا عليه في مصر. ومعنى ادخلوا مصر أي : تمكنوا منها واستقروا فيها. والظاهر تعلق الدخول على مشيئة الله لما أمرهم بالدخول ، علق ذلك على مشيئة الله ، لأن جميع الكائنات إنما تكون بمشيئة الله ، وما لا يشاء لا يكون. وقال الزمخشري : التقدير ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين ، إن شاء الله دخلتم آمنين ، ثم حذف الجزاء لدلالة الكلام ، ثم اعترض بالجملة الجزائية بين الحال وذي الحال. ومن بدع التفاسير أن قوله : إن شاء الله ، من باب التقديم والتأخير ، وأن موضعه بعد قوله : سوف أستغفر لكم ربي في كلام يعقوب انتهى. وهذا البدع من التفسير مروي عن ابن جريج ، وهو في غاية البعد ، بل في غاية الامتناع.
والعرش سرير الملك. ولما دخل يوسف مصر وجلس في مجلسه على سريره ، واجتمعوا إليه ، أكرم أبويه فرفعهما معه على السرير. ويحتمل أن يكون الرفع والخرور قبل دخول مصر بعد قوله : ادخلوا مصر ، فكان يكون في قبة من قباب الملوك التي تحمل على البغال أو الإبل ، فحين دخلوا إليه آوى إليه أبويه وقال : ادخلوا مصر ، ورفع أبويه. وخروا له ، والضمير في وخروا عائد على أبويه وعلى إخوته. وقيل : الضمير في وخروا عائد على إخوته وسائر من كان يدخل عليه لأجل هيبته ، ولم يدخل في الضمير أبواه ، بل رفعهما على
__________________
(١) سورة يوسف : ١٢ / ٤.