الفعل بوساطة في. وزعم ابن الطراوة أن الطريق ظرف غير مختص ، فيصل إليه الفعل بغير وساطة في ، وهو زعم مردود في النحو.
ومعنى يسيركم : يجعلكم تسيرون ، والسير معروف ، وفي قوله : والبحر دلالة على جواز ركوب البحر. ولما كان الخوف في البحر أغلب على الإنسان منه في البر وقع المثال به لذلك المعنى الكلي به من التجاء العبد لربه تعالى حالة الشدة والإهمال لجانبه حالة الرخاء. قال الزمخشري : (فإن قلت) : كيف جعل الكون في الفلك غاية التسيير في البحر ، والتسيير في البحر إنما هو بالكون في الفلك؟ (قلت) : لم يجعل الكون في الفلك غاية التسيير ، ولكن مضمون الجملة الشرطية الواقعة بعد حتى بما في خبرها كأنه قال : يسيركم حتى إذا وقعت هذه الحادثة فكان كيت وكيت من مجيء الريح العاصف ، وتراكم الأمواج ، والظن للهلاك ، والدعاء للانجاء انتهى. وهو حسن. وقرأ أبو الدرداء وأم الدرداء : في الفلكي بزيادة ياء النسب ، وخرج ذلك على زيادتها ، كما زادوها في الصفة في نحو : أحمرّيّ وزواريّ ، وفي العلم كقول الصلتان : أنا الصلتاني الذي قد علمتم. وعلى إرادة النسب مرادا به اللج كأنه قيل في اللج الفلكي وهو الماء الغمر الذي لا تجري الفلك إلا فيه ، والضمير في وجرين عائد على الفلك على معنى الجمع ، إذ الفلك كما تقدم في سورة البقرة يكون مفردا وجمعا ، والضمير في بهم عائد على الكائنين في الفلك. وهو التفات ، إذ هو خروج من خطاب إلى غيبة. وفائدة صرف الكلام من الخطاب إلى الغيبة قال الزمخشري : المبالغة ، كأنه يذكر لغيرهم حالهم ليعجبهم منها ، ويستدعي منهم الإنكار والتقبيح انتهى. والذي يظهر ـ والله أعلم ـ أنّ حكمة الالتفات هنا هي أنّ قوله : هو الذي يسيركم في البر والبحر ، خطاب فيه امتنان وإظهار نعمة للمخاطبين ، والمسيرون في البر والبحر مؤمنون وكفار ، والخطاب شامل ، فحسن خطابهم بذلك ليستديم الصالح على الشكر. ولعل الطالح يتذكر هذه النعمة فيرجع ، فلما ذكرت حالة آل الأمر في آخرها إلى أن الملتبس بها هو باغ في الأرض بغير الحق ، عدل عن الخطاب إلى الغيبة حتى لا يكون المؤمنون يخاطبون بصدور مثل هذه الحالة التي آخرها البغي. وقال ابن عطية : بهم خروج من الحضور إلى الغيبة ، وحسن ذلك لأنه قوله : كنتم في الفلك ، هو بالمعنى المعقول ، حتى إذا حصل بعضكم في السفن انتهى. فكأنه قدر مفردا غائبا يعاد الضمير عليه فيصير كقوله تعالى : (أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشاهُ) (١) أي ، أو كذي ظلمات ، فعاد الضمير
__________________
(١) سورة النور : ٢٤ / ٤٠.