بحب تحصيل المال. ونبه على حالتي الإنفاق ، فالسر أفضل حالات إنفاق التطوع كما جاء في «السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها» والعلانية أفضل حالات إنفاق الفروض ، لأنّ الإظهار فيها أفضل. وقال الزمخشري : مما رزقناهم من الحلال ، لأنّ الحرام لا يكون رزقا ، ولا يسند إلى الله انتهى. وهذا على طريق المعتزلة. وللسلف هنا في الصبر أقوال متقاربة. قال ابن عباس : صبروا على أمر الله. وقال أبو عمران الجوني : صبروا على دينهم. وقال عطاء : صبروا على الرزايا والمصائب. وقال ابن زيد : صبروا على الطاعة وعن المعصية ، ويدرؤون يدفعون. قال ابن زيد : الشر بالخير. وقال قتادة : ردوا عليهم معروفا كقوله : (وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً) (١) وقال الحسن : إذا حرموا أعطوا ، وإذا ظلموا عفوا ، وإذا قطعوا وصلوا. وقال القتبي : إذا سفه عليهم حلموا. وقال ابن جبير : يدفعون المنكر بالمعروف. وقال ابن كيسان : إذا أذنبوا تابوا ، وإذا هربوا أنابوا ليدفعوا عن أنفسهم بالتوبة معرّة الذنب ، وهذا المعنى قول ابن عباس في رواية الضحاك عنه. وقيل : يدفعون بلا إله إلا الله شركهم. وقيل : بالسلام غوائل الناس. وقيل : من رأوا منه مكروها بالتي هي أحسن. وقيل : بالصالح من العمل السيّء ، ويؤيده ما روي في الحديث أن معاذا قال : أوصني يا رسول الله فقال : «إذا عملت سيئة فاعمل إلى جنبها حسنة تمحها السر بالسرّ والعلانية بالعلانية». وقيل العذاب : بالصدقة. وقيل : إذا هموا بالسيئة فكروا ورجعوا عنها واستغفروا. وهذه الأقوال كلها على سبيل المجاز. وبالجملة لا يكافئون الشر بالشر كما قال الشاعر :
يجزون من ظلم أهل الظلم مغفرة |
|
ومن إساءة أهل السوء إحسانا |
وهذا بخلاف خلق الجاهلية كما قال :
جريء متى يظلم يعاقب بظلمه |
|
سريعا وإن لا يبد بالظلم يظلم |
وروي أنّ هذه الآية نزلت في الأنصار ، ثم هي عامة بعد ذلك في كل من اتصف بهذه الصفات. وعقبى الدار : عاقبة الدنيا ، وهي الجنة. لأنها التي أراد الله أن تكون عاقبة الدنيا وموضع أهلها. وجنات عدن بدل من عقبى الدار ، ويحتمل أن يراد عقبى دار الآخرة لدار الدنيا في العقبى الحسنة في الدار الآخرة هي لهم ، ويحتمل أن يكون جنات خبر ابتداء
__________________
(١) سورة الفرقان : ٢٥ / ٦٣.