من ذلك وجهان : أحدهما : أن تقدم الصفة وتبقيتها على ما كانت عليه ، وفي إعراب مثل هذا وجهان : أحدهما : إعرابه نعتا مقدما ، والثاني : أن يجعل ما بعد الصفة بدلا. والوجه الثاني : أن تضيف الصفة إلى الموصوف إذا قدمتها انتهى. فعلى هذا الذي ذكره ابن عصفور يجوز أن يكون العزيز الحميد يعربان صفتين متقدمتين ، ويعرب لفظ الله موصوفا متأخرا. ومما جاء فيه تقديم ما لو تأخير لكان صفة ، وتأخير ما لو تقدم لكان موصوفا قول الشاعر :
والمؤمن العائذات الطير يمسحها |
|
ركبان مكة بين الغيل والسعد |
فلو جاء على الكثير لكان التركيب : والمؤمن الطير العائذات ، وارتفع ويل على الابتداء ، وللكافرين خبره. لما تقدم ذكر الظلمات دعا بالهلكة على من لم يخرج منها ، ومن عذاب شديد في موضع الصفة لويل. ولا يضر الفصل والخبر بين الصفة والموصوف ، ولا يجوز أن يكون متعلقا بويل لأنه مصدر ولا يجوز الفصل بين المصدر وما يتعلق به بالخبر. ويظهر من كلام الزمخشري أنه ليس في موضع الصفة. قال : (فإن قلت) : ما وجه اتصال قوله من عذاب شديد بالويل؟ (قلت) : لأن المعنى أنهم يولون من عذاب شديد ويضجون منه ، ويقولون يا ويلاه كقوله : (دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً) (١) انتهى. وظاهره يدل على تقدير عامل يتعلق به من عذاب شديد ، ويحتمل هذا العذاب أن يكون واقعا بهم في الدنيا ، أو واقعا بهم في الآخرة. والاستحباب الإيثار والاختيار ، وهو استفعال من المحبة ، لأنّ المؤثر للشيء على غيره كأنه يطلب من نفسه يكون أحب إليها وأفضل عندها من الآخر. ويجوز أن يكون استفعل بمعنى أفعل كاستجاب وأجاب ، ولما ضمن معنى الإيثار عدي بعلى. وجوزوا في إعراب الذين أن يكون مبتدأ خبره أولئك في ضلال بعيد ، وأن يكون معطوفا على الذم ، إما خبر مبتدأ محذوف أي هم الذين ، وإما منصوبا بإضمار فعل تقديره أذم ، وأن يكون بدلا ، وأن يكون صفة للكافرين. ونص على هذا الوجه الأخير الحوفي والزمخشري وأبو البقاء ، وهو لا يجوز ، لأن فيه الفصل بين الصفة والموصوف بأجنبي منهما وهو قوله : من عذاب شديد ، سواء كان من عذاب شديد في موضع الصفة لويل ، أم متعلقا بفعل محذوف أي : يضجون ويولولون من عذاب شديد. ونظيره إذا كان صفة أن تقول : الدار لزيد الحسنة القرشي ، فهذا التركيب لا يجوز ، لأنك فصلت بين زيد وصفته بأجنبي منهما وهو صفة الدار ، والتركيب الفصيح أن تقول : الدار الحسنة لزيد القرشي ، أو الدار لزيد القرشي
__________________
(١) سورة الفرقان : ٢٥ / ١٣.