أي وقائعنا. وعن ابن عباس أيضا : نعماؤه وبلاؤه ، واختاره الطبري ، فنعماؤه : بتظليله عليهم الغمام ، وإنزال المنّ والسلوى ، وفلق البحر. وبلاؤه : باستعباد فرعون لهم ، وتذبيح أبنائهم ، وإهلاك القرون قبلهم. وفي حديث أبيّ في قصة موسى والخضر عليهماالسلام ، بينما موسى عليهالسلام في قومه يذكرهم بأيام الله ، وأيام الله بلاؤه ونعماؤه ، واختار الطبري هذا القول الآخر. ولفظة الأيام تعم المعنيين ، لأنّ التذكير يقع بالوجهين جميعا. وفي هذه اللفظة تعظيم الكوائن المذكر بها. وعبر عنها بالظرف الذي وقعت فيه. وكثيرا ما يقع الإسناد إلى الظرف ، وفي الحقيقة الإسناد لغيرها كقوله : بل مكر الليل والنهار ، ومن ذلك قولهم : يوم عبوس ، ويوم عصيب ، ويوم بسام. والحقيقة وصف ما وقع فيه من شدّة أو سرور. والإشارة بقوله : إن في ذلك ، إلى التذكير بأيام الله. وصبار ، شكور ، صفتا مبالغة ، وهما مشعرتان بأنّ أيام الله المراد بهما بلاؤه ونعماؤه أي : صبار على بلائه ، شكور لنعمائه. فإذا سمع بما أنزل الله من البلاء على الأمم ، أو بما أفاض عليهم من النعم ، تنبه على ما يجب عليه من الصبر إذا أصابه بلاء ، من والشكر إذا أصابته نعماء ، وخص الصبار والشكور لأنهما هما اللذان ينتفعان بالتذكير والتنبيه ويتعظان به. وقيل : أراد لكل مؤمن ناظر لنفسه ، لأنّ الصبر والشكر من سجايا أهل الإيمان.
(وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ. وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ. وَقالَ مُوسى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ) : لما تقدم أمره تعالى لموسى بالتذكير بأيام الله ، ذكرهم بما أنعم تعالى عليهم من نجاتهم من آل فرعون ، وفي ضمنها تعداد شيء مما جرى عليهم من نقمات الله. وتقدم إعراب إذ في نحو هذا التركيب في قوله : (وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً) (١) وتفسير نظير هذه الآية ، إلا أنّ هنا : ويذبحون بالواو ، وفي البقرة بغير واو ، وفي الأعراف (يُقَتِّلُونَ) فحيث لم يؤت بالواو جعل الفعل تفسيرا لقوله : يسومونكم. وحيث أتى بها دلّ على المغايرة. وأنّ سوم سوء العذاب كان بالتذبيح وبغيره ، وحيث جاء يقتلون جاء باللفظ المطلق المحتمل للتذبيح ، ولغيره من أنواع القتل. وقرأ ابن محيصن : ويذبحون مضارع ذبح ثلاثيا ، وقرأ زيد بن علي كذلك ، إلا أنه حذف الواو.
__________________
(١) سورة آل عمران : ٣ / ١٠٣.