إضافة الموصوف إلى صفته أي : الوعد الحق ، وإن يكون الحق صفة الله أي : وعده ، وأن يكون الحق الشيء الثابت وهو البعث والجزاء على الأعمال أي : فوفى لكم بما وعدكم ووعدتكم خلاف ذلك فأخلفتكم ، وإلا أنّ دعوتكم الظاهر أنه استثناء منقطع ، لأنّ دعاءه إياهم إلى الضلالة ووسوسته ليس من جنس السلطان ، وهو الحجة البينة. قيل : ويحتمل أن يريد بالسلطان الغلبة والتسليط والقدرة أي : ما اضطررتكم ولا خوفتكم بقوة مني ، بل عرضت عليكم شيئا فأتى رأيكم عليه. وقيل : هو استثناء متصل ، لأنّ القدرة على حمل الإنسان على الشيء تارة يكون بالقهر من الحامل ، وتارة يكون بتقوية الداعية في قلبه وذلك بإلقاء الوسواس إليه ، فهذا نوع من أنواع التسليط. وقيل : وظاهر هذا الكلام يدل على أنّ الشيطان لا قدرة له على صرع الإنسان وتعويج أعضائه وجوارحه ، وإزالة عقله ، فلا تلوموني. وقرىء : فلا يلوموني بالياء على الغيبة ، وهو التفات يريد في ما آتيتموه من الضلال ، ولوموا أنفسكم في سوء نظركم واستجابتكم لدعائي من غير تثبت ولا حجة. وقال الزمخشري : ولوموا أنفسكم حيث اغتررتم ، وأطعتموني إذ دعوتكم ، ولم تطيعوا ربكم إذ دعاكم ، وهذا دليل على أن الإنسان هو الذي يختار الشقاوة والسعادة ويحصلها لنفسه ، وليس من الله إلا التمكين ، ولا من الشيطان إلا التزيين ، ولو كان الأمر كما يزعم المجبرة لقال : فلا تلوموني ولا أنفسكم ، فإنّ الله قد قضى عليكم الكفر وأجبركم عليه انتهى. وهو على طريق الاعتزال.
ما أنا بمصرخكم قال ابن عباس : بنافعكم. وقال ابن جبير : بمنقذكم ، وقال الربيع : بمنجيكم ، وقال مجاهد : بمغيثكم ، وكلها أقوال متقاربة. وقرأ يحيى بن وثاب ، والأعمش ، وحمزة : بمصرخي بكسر الياء ، وطعن كثير من النحاة في هذه القراءة. قال الفراء : لعلها من وهم القراء ، فإنه قل من سلم منهم من الوهم ، ولعله ظن أنّ الباء في بمصرخي خافضة للفظ كله ، والباء للمتكلم خارجة من ذلك. وقال أبو عبيد : نراهم غلطوا ، ظنوا أنّ الباء تكسر لما بعدها. وقال الأخفش : ما سمعت هذا من أحد من العرب ، ولا من النحويين. وقال الزجاج : هذه القراءة عند جميع النحويين رديئة مرذولة ، ولا وجه لها إلا وجه ضعيف. وقال النحاس : صار هذا إجماعا ، ولا يجوز أن يحمل كتاب الله على الشذوذ. وقال الزمخشري : هي ضعيفة ، واستشهدوا لها ببيت مجهول :
قال لها هل لك يا تافيّ |
|
قالت له ما أنت بالمرضي |