(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ. جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها وَبِئْسَ الْقَرارُ. وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ) : لما ذكر حال المؤمنين وهداهم ، وحال الكافرين وإضلالهم ، ذكر السبب في إضلالهم. والذين بدلوا ظاهره أنه عام في جميع المشركين قاله الحسن ، بدلوا بنعمة الإيمان الكفر. وقال مجاهد : هم أهل مكة ، أنعم الله تعالى عليهم ببعثه رسولا منهم يعلمهم أمر دينه وشرفهم به ، وأسكنهم حرمه ، وجعلهم قوام بيته ، فوضعوا مكان شكر هذه النعمة كفرا. وسأل ابن عباس عمر عنهم فقال : هما الأعراب من قريش أخوالي أي : بني مخزوم ، واستؤصلوا ببدر. وأعمامك أي : بني أمية ، ومتعوا إلى حين. وعن علي نحو من ذلك. وقال قتادة : هم قادة المشركين يوم بدر. وعن علي : هم قريش الذين تحزبوا يوم بدر. وعلى أنهم قريش جماعة من الصحابة والتابعين. وعن علي أيضا : هم منافقو قريش أنعم عليهم بإظهار علم الإسلام بأن صان دماءهم وأموالهم وذراريهم ، ثم عادوا إلى الكفر. وعن ابن عباس : في جبلة بن الأيهم ، ولا يريد أنها نزلت فيه ، لأن نزول الآية قبل قصته ، وقصته كانت في خلافة عمر ، وإنما يريد ابن عباس أنها تخص من فعل فعل جبلة إلى يوم القيامة.
ونعمة الله على حذف مضاف أي : بدلوا شكر نعمة الله كقوله : (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ) (١) أي شكر رزقكم ، كأنه وجب عليهم الشكر فوضعوا مكانه كفرا ، وجعلوا مكان شكرهم التكذيب. قال الزمخشري : ووجه آخر وهو أنهم بدلوا نفس النعمة بالكفر حاصلا لهم الكفر بدل النعمة ، وهم أهل مكة أسكنهم الله حرمه ، وجعلهم قوام بيته ، وأكرمهم بمحمد صلىاللهعليهوسلم ، فكفروا نعمة الله بدل ما ألزمهم من الشكر العظيم ، أو أصابهم الله بالنعمة والسعة لإيلافهم الرحلتين ، فكفروا نعمته ، فضربهم الله بالقحط سبع سنين ، فحصل لهم الكفر بدل النعمة ، وبقي الكفر طوقا في أعناقهم انتهى. ونعمة الله هو المفعول الثاني ، لأنه هو الذي يدخل عليه حرف الجر أي : بنعمة الله ، وكفرا هو المفعول الأول كقوله : (فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ) (٢) أي بسيئاتهم حسنات. فالمنصوب هو الحاصل ، والمجرور بالباء أو المنصوب على إسقاطها هو الذاهب ، على هذا لسان العرب ، وهو على خلاف ما يفهمه العوام ، وكثير ممن ينتمي إلى العلم. وقد أوضحنا هذه المسألة في قوله في البقرة : (وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ) (٣) وإذا قدرت مضافا محذوفا وهو
__________________
(١) سورة الواقعة : ٥٦ / ٨٢.
(٢) سورة الفرقان : ٢٥ / ٧٠.
(٣) سورة البقرة : ٢ / ١٠٨.