قَبْلُ) (١) أي مكروا بالشرك بالله ، وتكذيب الرسل. وقيل : الضمير عائد على قوم الرسول كقوله : (وَأَنْذِرِ النَّاسَ) (٢) أي : وقد مكر قومك يا محمد ، وهو الذي في قوله : (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا) (٣) الآية ومعنى مكرهم أي : المكر العظيم الذي استفرغوا فيه جهدهم ، والظاهر أنّ هذا إخبار من الله لنبيه بما صدر منهم في الدنيا ، وليس مقولا في الآخرة. وقال ابن عطية : ويحتمل أن يكون مما يقال يوم القيامة للظلمة الذين سكن في منازلهم. وعند الله مكرهم أي : علم مكرهم فهو مطلع عليه ، فلا ينفذ لهم فيه قصدا ، ولا يبلغهم فيه أملا أو جزاء مكرهم ، وهو عذابه لهم. والظاهر إضافة مكر وهو المصدر إلى الفاعل ، كما هو مضاف في الأول إليه كأنه قيل : وعند الله ما مكروا أي مكرهم. وقال الزمخشري : أو يكون مضافا إلى المفعول على معنى : وعند الله مكرهم الذي يمكرهم به ، وهو عذابهم الذي يستحقونه ، يأتيهم به من حيث لا يشعرون ولا يحتسبون انتهى. وهذا لا يصح إلا إن كان مكر يتعدى بنفسه كما قال هو ، إذ قدر يمكرهم به ، والمحفوظ أنّ مكر لا يتعدى إلى مفعول به بنفسه. قال تعالى : (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا) (٤) وتقول : زيد ممكور به ، ولا يحفظ زيد ممكور بسبب كذا.
وقرأ الجمهور : وإن كان بالنون. وقرأ عمرو ، وعلي ، وعبد الله ، وأبيّ ، وأبو سلمة بن عبد الرحمن ، وأبو إسحاق السبيعي ، وزيد بن علي : وإن كاد بدال مكان النون لتزول بفتح اللام الأولى ورفع الثانية ، وروي كذلك عن ابن عباس. وقرأ ابن عباس ، ومجاهد ، وابن وثاب ، والكسائي كذلك ، إلا أنهم قرأوا وإن كان بالنون ، فعلى هاتين القراءتين تكون إن هي المخففة من الثقيلة ، واللام هي الفارقة ، وذلك على مذهب البصريين. وأما على مذهب الكوفيين فإن نافية ، واللام بمعنى إلا. فمن قرأ كاد بالدال فالمعنى : أنه يقرب زوال الجبال بمكرهم ، ولا يقع الزوال. وعلى قراءة كان بالنون ، يكون زوال الجبال قد وقع ، ويكون في ذلك تعظيم مكرهم وشدته ، وهو بحيث يزول منه الجبال وتنقطع عن أماكنها. ويحتمل أن يكون معنى لتزول ليقرب زوالها ، فيصير المعنى كمعنى قراءة كاد. ويؤيد هذا التأويل ما ذكره أبو حاتم من أنّ في قراءة أبيّ : ولو لا كلمة الله لزال من مكرهم الجبال ، وينبغي أن تحمل هذه القراءة على التفسير لمخالفتها لسواد المصحف المجمع عليه. وقرأ الجمهور وباقي السبعة : وإن كان بالنون مكرهم لتزول بكسر اللام ،
__________________
(١) سورة ابراهيم : ١٤ / ٤٤.
(٢) سورة ابراهيم : ١٤ / ٤٤.
(٣) سورة الأنفال : ٨ / ٣٠.
(٤) سورة الأنفال : ٨ / ٣٠.