فيطلى به جلود أهل النار حتى يعود طلاؤه لهم كالسرابيل وهي القمص ، لتجتمع عليهم الأربع : لذع القطران وحرقته ، وإسراع النار في جلودهم ، واللون الوحش ، ونتن الريح. على أنّ التفاوت بين القطرانين كالتفاوت بين النارين. وكل ما وعده الله ، أو أوعد به في الآخرة ، فبينه وبين ما يشاهده من جنسه ما لا يقادر قدره ، وكأنه ما عندنا منه إلا الأسامي والمسميات ثمة ، فبكرمه الواسع نعوذ من سخطه ونسأله التوفيق فيما ينجينا من عذابه انتهى. وقرأ عمر بن الخطاب ، وعليّ بن أبي طالب : من قطران بفتح القاف وإسكان الطاء ، وهو في شعر أبي النجم قال : لبسنه القطران والمسوحا. وقرأ الجمهور : وتغشى وجوههم بالنصب ، وقرىء بالرفع ، فالأول على نحو قوله : (وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى) (١) فهي على حقيقة الغشيان ، والثانية على التجوز ، جعل ورود الوجه على النار غشيانا. وقرىء : وتغشى وجوههم بمعنى تتغشى ، وخص الوجوه هنا. وفي قوله : (أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ) ، و (يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ) (٢) لأن الوجه أعز موضع في ظاهر البدن وأشرفه كالقلب في باطنه ، ولذلك قال : (تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ) (٣). وليجزي متعلق بمحذوف تقديره : يفعل بالمجرمين ما يفعل ، ليجزي كل نفس أي : مجرمة بما كسبت ، أو كل نفس من مجرمة ومطيعة : لأنه إذا عاقب المجرمين لإجرامهم علم أنه يثيب المطيعين لطاعتهم ، قاله الزمخشري. ويظهر أنها تتعلق بقوله : وبرزوا أي : الخلق كلهم ، ويكون كل نفس عاما أي : مطيعة ومجرمة ، والجملة من قوله : وترى ، معترضة. وقال ابن عطية : اللام متعلقة بفعل مضمر تقديره : فعل هذا ، أو أنفذ هذا العقاب على المجرمين ليجزي في ذلك المسيء على إساءته انتهى. والإشارة بهذا إلى ما ذكر به تعالى من قوله : (وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غافِلاً) (٤) إلى قوله : (سَرِيعُ الْحِسابِ) (٥) وقيل : الإشارة إلى القرآن ، وقيل : إلى السورة. ومعنى بلاغ كفاية في الوعظ والتذكير ، ولينذروا به. قال الماوردي : الواو زائدة ، وعن المبرد : هو عطف مفرد على مفرد أي : هذا بلاغ وإنذار انتهى. وهذا تفسير معنى لا تفسير إعراب. وقيل : هو محمول على المعنى أي : ليبلغوا ولينذروا. وقيل : اللام لام الأمر. قال بعضهم : وهو حسن لو لا قوله : وليذكر ، فإنه منصوب لا غير انتهى. ولا يخدش ذلك ، إذ يكون وليذكر ليس معطوفا على الأمر ، بل يضمر له فعل يتعلق به. وقال
__________________
(١) سورة الليل : ٩٢ / ١.
(٢) سورة القمر : ٥٤ / ٤٨.
(٣) سورة الهمزة : ١٠٤ / ٧.
(٤) سورة ابراهيم : ١٤ / ٤٢.
(٥) سورة ابراهيم : ١٤ / ٥١.