وجودها. وذهبت فرقة إلى أن السجود هنا حقيقة. قال الضحاك : إذا زالت الشمس سجد كل شيء قبل القبلة من نبت وشجر ، ولذلك كان الصالحون يستحبون الصلاة في ذلك الوقت. وقال مجاهد : إنما تسجد الظلال دون الأشخاص ، وعنه أيضا إذا زالت الشمس سجد كل شيء. وقال الحسن : أما ظلك فيسجد لله ، وأما أنت فلا تسجد له. وقيل : لما كانت الظلال ملصقة بالأرض واقعة عليها على هيئة الساجد وصفت بالسجود ، وكون السجود يراد به الحقيقة وهو الوقوع على الأرض على سبيل العبادة وقصدها يبعد ، إذ يستدعي ذلك الحياة والعلم والقصد بالعبادة. وخصّ الظل بالذكر لأنه سريع التغير ، والتغير يقتضي مغيرا غيره ومدبرا له ، ولما كان سجود الظلال في غاية الظهور بدىء به ، ثم انتقل إلى سجود ما في السموات والأرض. ومن دابة : يجوز أن يكون بيانا لما في الظرفين ، ويكون من في السموات خلق يدبون. ويجوز أن يكون بيانا لما في الأرض ، ولهذا قال ابن عباس : يريد كل ما دب على الأرض. وعطف والملائكة على ما في السموات وما في الأرض ، وهم مندرجون في عموم ما تشريفا لهم وتكريما ، ويجوز أن يراد بهم الحفظة التي في الأرض ، وبما في السموات ملائكتهنّ ، فلم يدخلوا في العموم. قيل : بين تعالى في آية الظلال أن الجمادات بأسرها منقادة لله ، بين أنّ أشرف الموجودات وهم الملائكة ، وأخسها وهي الدواب منقادة له تعالى ، ودل ذلك على أن الجميع منقاد لله تعالى. وقيل : الدابة اسم لكل حيوان جسماني يتحرك ويدب ، فلما ميز الله تعالى الملائكة عن الدابة ، علمنا أنها ليست مما يدب ، بل هي أرواح مختصة بحركة انتهى. وهو قول فلسفي. ولما كان بين المكلفين وغيرهم قدر مشترك في السجود وهو الانقياد لإرادة الله ، جمع بينهما فيه وإن اختلفا في كيفية السجود.
وقال الزمخشري : (فإن قلت) : فهلا جيء بمن دون ما تغليبا للعقلاء من الدواب على غيرهم؟ (قلت) : لأنه لو جيء بمن لم يكن فيه دليل على التغليب ، فكان متناولا للعقلاء خاصة ، فجيء بما هو صالح للعقلاء وغيرهم إرادة العموم انتهى. وظاهر السؤال تسليم أنّ من قد تشمل العقلاء وغيرهم على جهة التغليب ، وظاهر الجواب تخصيص من بالعقلاء ، وأنّ الصالح للعقلاء وغيرهم ما دون من ، وهذا ليس بجواب ، لأنه أورد السؤال على التسليم ، ثم ذكر الجواب على غير التسليم فصار المعنى : أن من يغلب بها ، والجواب لا يغلب بها ، وهذا في الحقيقة ليس بجواب ، والظاهر أنّ الضمير في قوله : يخافون ، عائد على المنسوب إليهم السجود. في ولله يسجد ، وقاله أبو سليمان الدمشقي.