الألوهية ، بين عجزهم عن هذا النوع من صفات الإله وهو الهداية إلى الحق وإلى مناهج الصواب ، وقد أعقب الخلق بالهداية في القرآن في مواضع قال تعالى حكاية عن الكليم : (قالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى) (١) وقال : (الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى) (٢) فاستدل بالخلق والهداية على وجود الصانع ، وهما حالان للجسد والروح. ولما كانت العقول يلحقها الاضطراب والغلط ، بيّن تعالى أنه لا يهديهما إلا هو بخلاف أصنامهم ومعبوداتهم ، فإنه ما كان منها لا روح فيه جماد لا تأثير له ، وما فيه روح فليس قادرا على الهداية ، بل الله تعالى هو الذي يهديه. وهدى تتعدّى بنفسها إلى اثنين ، وإلى الثاني بإلى وباللام. ويهدي إلى الحق حذف مفعوله الأول ، ولا يصح أن يكون لازما بمعنى يهتدي ، لأن مقابله إنما هو متعد ، وهو قوله قل : الله يهدي للحق أي يهدي من يشاء إلى الحق. وقد أنكر المبرد ما قاله الكسائي والفراء وتبعهما الزمخشري من أن يكون هدى بمعنى اهتدى ، وقال : لا نعرف هذا. وأحق ليست أفعل تفضيل ، بل المعنى حقيق بأن يتبع. ولما كانوا معتقدين أنّ شركاءهم تهدي إلى الحق ، ولا يسلمون حصر الهداية لله تعالى أمر نبيه صلىاللهعليهوسلم بأن يبادر بالجواب فقال : قل الله يهدي للحق ، ثم عادل في السؤال بالهمزة وأم بين من هو حقيق بالاتباع ، ومن هو غير حقيق ، وجاء على الأفصح الأكثر من فصل أم مما عطفت عليه بالخبر كقوله : (أَذلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ) (٣) بخلاف قوله : (أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ ما تُوعَدُونَ) (٤) وسيأتي القول في ترجيح الوصل هنا في موضعه إن شاء الله تعالى.
وقرأ أهل المدينة إلا ورشا : أمن لا يهدي بفتح الياء وسكون الهاء وتشديد الدال ، فجمعوا بين ساكنين. قال النحاس : لا يقدر أحد أن ينطق به. وقال المبرد : من رام هذا لا بد أن يحرك حركة خفيفة ، وسيبويه يسمي هذا اختلاس الحركة. وقرأ أبو عمرو وقالون في رواية كذلك : إلا أنه اختلس الحركة. وقرأ ابن عامر ، وابن كثير ، وورش ، وابن محيصن : كذلك إلا أنهم فتحوا الهاء وأصله يهتدي ، فقلب حركة التاء إلى الهاء ، وأدغمت التاء في الدال. وقرأ حفص ، ويعقوب ، والأعمش عن أبي بكر كذلك ، إلا أنهم كسروا الهاء لما اضطر إلى الحركة حرّك بالكسر. قال أبو حاتم : هي لغة سفلى مضر. وقرأ أبو بكر في رواية يحيى بن آدم كذلك ، إلا أنه كسر الياء. ونقل عن سيبويه أنه لا يجيز يهدي ،
__________________
(١) سورة طه : ٢٠ / ٥٠.
(٢) سورة الأعلى : ٨٧ / ٢ ـ ٣.
(٣) سورة الفرقان : ٢٥ / ١٥.
(٤) سورة الأنبياء : ٢١ / ١٠٩.