ولست الشاعر السفساف فيهم |
|
ولكن مده الحرب العوالي |
أي ولكن أنا. وزعم الفراء ومن تابعه أنّ العرب إذا قالت ولكن بالواو آثرت تشديد النون ، وإذا لم تكن الواو آثرت التخفيف. وقد جاء في السبعة مع الواو التشديد والتخفيف ، ولا ريب فيه داخل في حيز الاستدراك كأنه قيل : ولكن تصديقا وتفصيلا منتفيا عنه الريب ، كائنا من رب العالمين. قال الزمخشري : ويجوز أن يراد ولكن كان تصديقا من رب العالمين وتفصيلا منه في ذلك ، فيكون من رب العالمين متعلقا بتصديق وتفصيل ، ويكون لا ريب فيه اعتراضا كما تقول : زيد لا شك فيه كريم انتهى. فقوله : فيكون من رب العالمين متعلقا بتصديق وتفصيل ، إنما يعني من جهة المعنى ، وأما من جهة الإعراب فلا يكون إلا متعلقا بأحدهما ، ويكون من باب الأعمال وانتفاء الريب عنه على ما بيّن في البقرة في قوله : (ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ) (١) وجمع بينه وبين قوله : (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا) (٢).
(أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) : لما نفى تعالى أن يكون القرآن مفترى ، بل جاء مصدقا لما بين يديه من الكتب وبيانا لما فيها ، ذكر أعظم دليل على أنه من عند الله وهو الإعجاز الذي اشتمل عليه ، فأبطل بذلك دعواهم افتراءه ، وتقدم الكلام على ذلك مشبعا في البقرة في قوله : (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ) (٣) الآية. وأم متضمنة معنى بل ، والهمزة على مذهب سيبويه أي : بل أيقولون اختلقه. والهمزة تقرير لالتزام الحجة عليهم ، أو إنكار لقولهم واستبعاد. وقالت فرقة : أم هذه بمنزلة همزة الاستفهام. وقال أبو عبيدة : أم بمعنى الواو ومجازه ، ويقولون افتراه. وقيل : الميم صلة ، والتقدير أيقولون. وقيل : أم هي المعادلة للهمزة ، وحذفت الجملة قبلها والتقدير : أيقرون به أم يقولون افتراه. وجعل الزمخشري قل فأتوا جملة شرط محذوفة فقال : قل إن كان الأمر كما تزعمون فأتوا أنتم على وجه الافتراء بسورة مثله ، فأنتم مثله في العربية والفصاحة والألمعية ، فأتوا بسورة مثله شبيهة به في البلاغة وحسن النظم انتهى. والضمير في مثله عائد على القرآن أي : بسورة مماثلة للقرآن ، وتقدم الكلام لنا فيما وقع به الإعجاز.
وقرأ عمرو بن قائد بسورة مثله على الإضافة أي : بسورة كتاب أو كلام مثله أي : مثل
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ٢.
(٢) سورة البقرة : ٢ / ٢٣.
(٣) سورة البقرة : ٢ / ٢٣.