المراد بالسلطان الحجة ، وظاهر الإخبار انتفاء سلطنته على المؤمنين مطلقا. وقيل : ليس له عليهم سلطان لاستعاذتهم منه. وقيل : ليس له قدرة أن يحملهم على ذنب ، والضمير في به عائد على بهم ، وقيل : على الشيطان ، وهو الظاهر لاتفاق الضمائر والمعنى : والذين هم بإشراكهم إبليس مشركون بالله ، أو تكون الباء للسببية ، والأمر بالاستعاذة يقتضي أنها تصرف كيد الشيطان ، كأنها متضمنة التوكل على الله والانقطاع إليه.
ولما ذكر تعالى إنزال الكتاب تبيينا لكل شيء ، وأمر بالاستعاذة عند قراءته ، ذكر تعالى نتيجة ولاية الشيطان لأوليائه المشركين ، وما يلقيه إليهم من الأباطيل ، فألقى إليهم إنكار النسخ لما رأوا تبديل آية مكان آية. وتقدم الكلام في النسخ في البقرة. والظاهر أنّ هذا التبديل رفع آية لفظا ومعنى ، ويجوز أن يكون التبديل لحكم المعنى وإبقاء اللفظ. ووجد الكفار بذلك طعنا في الدين ، وما علموا أنّ المصالح تختلف باختلاف الأوقات والأشخاص ، وكما وقع نسخ شريعة بشريعة يقع في شريعة واحدة. وأخبر تعالى أنه العالم بما ينزل لا أنتم ، وما ينزل مما يقره وما يرفعه ، فمرجع علم ذلك إليه ، وهو على حسب الحوادث والمصالح ، وهذه حكمة إنزاله شيئا فشيئا ، وهذه الجملة اعتراض بين الشرط وجوابه. قيل : ويحتمل أن يكون حالا. وبالغوا في نسبة الافتراء للرسول بلفظ إنما ، وبمواجهة الخطاب ، وباسم الفاعل الدال على الثبوت ، وقال : بل أكثرهم ، لأن بعضهم يعلم ويكفر عنادا. ومفعول لا يعلمون محذوف لدلالة المعنى عليه أي : لا يعلمون أنّ الشرائع حكم ومصالح. هذه الآية دلت على وقوع نسخ القرآن بالقرآن. وروح القدس : هنا هو جبريل عليهالسلام بلا خلاف ، وتقدم لم سمي روح القدس. وأضاف الرب إلى كاف الخطاب تشريفا للرسول صلىاللهعليهوسلم باختصاص الإضافة ، وإعراضا عنهم ، إذ لم يضف إليهم. وبالحق حال أي : ملتبسا بالحق سواء كان ناسخا أو منسوخا ، فكله مصحوب بالحق لا يعتريه شيء من الباطل. وليثبت معناه أنهم لا يضطربون في شيء منه لكونه نسخ ، بل النسخ مثبت لهم على إيمانهم ، لعلمهم أنه جميعه من عند الله ، لصحة إيمانهم واطمئنان قلوبهم يعلمون أنه حكيم ، وأنّ أفعاله كلها صادرة عن حكمة ، فهي صواب كلها. ودل اختصاص التعليل بالمسلمين على اتصاف الكفار بضده من لحاق الاضطراب لهم وتزلزل عقائدهم وضلالهم. وقرىء : ليثبت مخففا من أثبت. قال الزمخشري : وهدى وبشرى مفعول لهما معطوفان على محل ليثبت انتهى. وتقدم الرد عليه في نحو هذا ، وهو