إلى قريش هم الكاذبون ، هم الذين لا يؤمنون فهم الكاذبون. أو إلى الذين لا يؤمنون أي : وأولئك هم الكاذبون على الحقيقة الكاملون في الكذب ، لأن تكذيب آيات الله أعظم الكذب. أو أولئك هم الكاذبون عادتهم الكذب لا يبالون به في كل شيء ، لا يحجبهم عنه مروءة ولا دين. أو أولئك هم الكاذبون في قولهم : إنما أنت مفتر انتهى. والوجه الذي بدأ به بعيد ، وهو أن وأولئك إشارة إلى قريش. والظاهر أن من شرطية في موضع رفع على الابتداء ، وهو استئناف إخبار لا تعلق له بما قبله من جهة الإعراب. ولما كان الكفر يكون باللفظ وبالاعتقاد ، استثنى من الكافرين من كفر باللفظ وقلبه مطمئن بالإيمان ، ورخص له في النطق بكلمة الكفر إذ كان قلبه مؤمنا ، وذلك مع الإكراه. والمعنى : إلا من أكره على الكفر ، تلفظ بكلمة الكفر وقلبه مطمئن بالإيمان. وجواب الشرط محذوف لدلالة ما بعده عليه تقديره : الكافرون بعد الإيمان غير المكرهين ، فعليهم غضب. ويصح أن يكون الاستثناء من ما تضمنه جواب الشرط المحذوف أي : فعليهم غضب ، إلا من أكره فلا غضب عليه ولا عذاب ، ولكن من شرح وكذا قدره الزمخشري أعني الجواب قبل الاستثناء في قول من جعل من شرطا. وقال ابن عطية : وقالت فرقة من في قوله من كفر ابتداء ، وقوله : من شرح تخصيص منه ، ودخل الاستثناء لإخراج عمار وشبهه. ودنا من الاستثناء الأول الاستدراك بلكن وقوله : فعليهم ، خبر عن من الأولى والثانية ، إذ هو واحد بالمعنى لأن الإخبار في قوله : من كفر ، إنما قصد به الصنف الشارح بالكفر انتهى. وهذا وإن كان كما ذكر فهاتان جملتان شرطيتان ، وقد فصل بينهما بأداة الاستدراك ، فلا بد لكل واحدة منهما من جواب على انفراده لا يشتركان فيه ، فتقدير الحذف أحرى على صناعة الإعراب. وقد ضعفوا مذهب أبي الحسن في ادعائه أن قوله : (فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ) (١) وقوله : (فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ) (٢) جواب لأما ، ولأنّ هذا وهما أداتا شرط ، إحداهما تلي الأخرى ، وعلى كون من في موضع رفع على الابتداء ، يجوز أن تكون شرطية كما ذكرنا ، ويجوز أن تكون موصولة وما بعدها صلتها ، والخبر محذوف لدلالة ما بعده عليه ، كما ذكرنا في حذف جواب الشرط. إلا أن من الثانية لا يجوز أن تكون شرطا حتى يقدر قبلها مبتدأ لأنّ من وليت لكن فيتعين إذ ذاك أن تكون من موصولة ، فإن قدر مبتدأ بعد لكن جاز أن تكون شرطية في موضع خبر ذلك المبتدأ المقدر كقوله :
__________________
(١) سورة الواقعة : ٥٦ / ٩١.
(٢) سورة الواقعة : ٥٦ / ٣٩.