أهله من عز إلى ذل ، ومن ذل إلى عز ، وبفناء الدنيا ، فيعتبر بذلك. وأن ذلك القصص بوحي من الله ، إذ أعلم بذلك على لسان رسول الله صلىاللهعليهوسلم من غير تحريف مع كونه لم يتعلم ولم يتتلمذ. الثاني : كلما سمعوا خروف التهجّي ولم يفهموا منها شيئا ساء ظنهم ، وقد أجاب الله بقوله : (فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ) (١) الآية. الثالث : ظهور القرآن شيئا فشيئا ، فساء ظنهم وقالوا : (لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً) (٢) وقد أجاب تعالى وشرح في مكانه. الرابع : القرآن مملوء من الحشر ، وكانوا ألفوا المحسوسات ، فاستبعدوا حصول الحياة بعد الموت ، فبين الله صحة المعاد بالدلائل الكثيرة. الخامس : أنه مملوء من الأمر بالعبادات ، وكانوا يقولون : إله العالم غني عن طاعتنا ، وهو أجل أن يأمرنا بما لا فائدة له فيه. وأجاب تعالى بقوله : (إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ) (٣) الآية وبالجملة فشبه الكفار كثيرة ، فلما رأوا القرآن مشتملا على أمور ما عرفوا حقيقتها ولا اطلعوا على وجه الحكمة فيها كذبوا بالقرآن فقوله : بما لم يحيطوا بعلمه ، إشارة إلى عدم علمهم بهذه الأشياء وقوله : ولما يأتهم تأويله ، إشارة إلى عدم جهدهم واجتهادهم في طلب أسرار ما تضمنه القرآن انتهى ملخصا.
وقال الزمخشري : (فإن قلت) : ما معنى التوقع في قوله تعالى : ولما يأتهم تأويله؟ (قلت) : معناه أنهم كذبوا به على البديهة قبل التدبر ، ومعرفة التأويل تقليدا للآباء ، وكذبوه بعد التدبر تمردا وعنادا فذمهم بالتسرع إلى التكذيب قبل العلم به ، وجاء بكلمة التوقع ليؤذن أنهم علموا بعد علوّ شأنه وإعجازه لما كرر عليهم التحدي ورازوا قواهم في المعارضة ، واستيقنوا عجزهم عن مثله ، فكذبوا به بغيا وحسدا انتهى. ويحتاج كلامه هذا إلى نظر. وقال أيضا : ويجوز أن يكون المعنى : ولما يأتهم تأويله ، ولم يأتهم بعد تأويل ما فيه من الإخبار بالغيوب أي عاقبته ، حتى يتبين لهم أكذب هو أم صدق؟ يعني : أنه كتاب معجز من جهتين : من جهة إعجاز نظمه ، ومن جهة ما فيه من الإخبار بالغيوب. فتسرعوا إلى التكذيب به قبل أن ينظروا في نظمه وبلوغه حد الإعجاز ، وقبل أن يخبروا إخباره بالمغيبات وصدقه وكذبه انتهى. وبقيت جملة الإحاطة بلم ، وجملة إتيان التأويل بلما ، ويحتاج في ذلك إلى فرق دقيق. والكاف في موضع نصب أي : مثل ذلك التكذيب كذب الذين من قبلهم ، يعني : قبل النظر في معجزات الأنبياء وقبل تدبرها من غير إنصاف من
__________________
(١) سورة آل عمران : ٣ / ٩٧.
(٢) سورة الفرقان : ٢٥ / ٣٢.
(٣) سورة الإسراء : ١٧ / ٧.