على هذا التأويل بعد ظهور الآية والتعجيز بالعصا ، وتكون الفاء مرتبة للمعاني التي عطفت انتهى. ويمكن أن يكون معنى فما آمن أي : ما أظهر إيمانه وأعلن به إلا ذرية من قوم موسى ، فلا يدل ذلك على أنّ طائفة من بني إسرائيل كفرت به. والظاهر عود الضمير في قوله : وملاهم ، على الذرية وقاله الأخفش ، واختاره الطبري أي : أخوف بني إسرائيل الذرية وهم أشراف بني إسرائيل إن كان الضمير في قومه عائدا على موسى ، لأنهم كانوا يمنعون أعقابهم خوفا من فرعون على أنفسهم. ويدل عليه قوله تعالى : أن يفتنهم أي يعذبهم. وقال ابن عباس : أن يقتلهم. وقيل : يعود على قومه أي : وملا قوم موسى ، أو قوم فرعون. وقيل : يعود على المضاف المحذوف تقديره : على خوف من آل فرعون ، قاله الفراء. كما حذف في ، (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) (١) ورد عليه بأنّ الخوف يمكن من فرعون ، ولا يمكن سؤال القرية ، فلا يحذف إلا ما دل عليه الدليل. وقد يقال : ويدل على هذا المحذوف جمع الضمير في وملاهم. وقيل : ثم معطوف محذوف يدل عليه كون الملك لا يكون وحده ، بل له حاشية وأجناد ، وكأنه قيل : على خوف من فرعون وقومه وملاهم أي : ملا فرعون وقومه ، وقاله الفراء أيضا : وقيل : لما كان ملكا جبارا أخبر عنه بفعل الجميع. وقيل : سميت الجماعة بفرعون مثل هود. وأن يفتنهم بدل من فرعون بدل اشتمال أي : فتنته ، فكون في موضع جر ، ويجوز أن يكون في موضع نصب بخوف إما على التعليل ، وإما على أنه في موضع المفعول به ، أي : على خوف لأجل فتنته ، أو على خوف فتنته. وقرأ الحسن وجراح ونبيح : يفتنهم بضم الياء من أفتن ، ولعال متجر أو باغ ظالم ، أو متعال أو قاهر كما قال :
فاعمد لما تعلو فما لك بالذي |
|
لا تستطيع من الأمور يدان |
أي لما تقهر أقوال متقاربة ، وإسرافه كونه كثير القتل والتعذيب. وقيل : كونه من أخس العبيد فادعى الإلهية ، وهذا الإخبار مبين سبب خوف أولئك المؤمنين منه.
وفي الآية مسلاة للرسول صلىاللهعليهوسلم بقلة من آمن لموسى ومن استجاب له مع ظهور ذلك المعجز الباهر ، ولم يؤمن له إلا ذرية من قومه ، وخطاب موسى عليهالسلام لمن آمن بقوله : يا قوم ، دليل على أن المؤمنين الذرية كانوا من قومه ، وخاطبهم بذلك حين اشتد خوفهم مما توعدهم به فرعون من قتل الآباء وذبح الذرية. وقيل : قال لهم ذلك حين قالوا إنا
__________________
(١) سورة يوسف : ١٢ / ٨٢.