قرنا من شعرها ، فعند ذلك نادى أيّوب ربّه ، وذلك أنّ امرأته أتته بشهوته ، فلمّا رأى ذلك قال لها : من أين لك هذا؟ فكشفت عن رأسها فقالت : بعت قرنا من شعري (١) ، فقال عند ذلك : إلهي ؛ ابتليتني بذهاب المال والولد ، ثم البلاء في جسدي ، ثم صيّرتني أن أعيش من شعر حليلتي ، فارض عني ، وإن كان هذا رضى لك فزدني وأنت أرحم الراحمين ، قد ترى ما نزل بي. فذلك قوله : (وَأَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)(٢) يقول الله : (فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَكَشَفْنا ما بِهِ مِنْ ضُرٍّ)(٣).
قال ابن عباس :
جاءه جبريل عليهالسلام فقال : السّلام عليك يا أيّوب ، ربّ العزّة يقرئك السّلام ويقول : (ارْكُضْ بِرِجْلِكَ)(٤) اليمين ، قال : فضرب بها الأرض ، فتناثر كلّ دود عليه من قرنه إلى قدميه ، ونبعت عين من تحت رجله اليمني ، ثم قال : اركض برجلك اليسرى ، قال : فضرب بها الأرض فتناثر ما كان بقي من الدّود ، ونبعت عين من تحت قدمه اليسرى ، فقال جبريل : قم فادخل هذه العين (هذا مُغْتَسَلٌ) فاغتسل فيه ، فاغتسل فيها فخرج منها صحيحا سليما نشيطا على حسنه وجماله وشبابه ؛ واشرب من الأخرى وهي اليمنى (بارِدٌ وَشَرابٌ) قال : فشرب منها ، فخرج كلّ شيء كان في بطنه ، وجرت النّضرة في بشره وشعره. قال : وكسي وردّ الله عليه أمواله وخدمه ومثلهم معهم ، وصارت منازله وجنانه وخدمه على ما كان ، وفسح الله له فيها مثلهم. يقول الله تعالى : (وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ*)(٥) قال : وجلس جبريل معه يحدّثه إذ جاءته امرأته فرأت منازلها ومجالسها وأنكرت المكان الذي تركت فيه أيّوب ـ وكانت تركته على زبل يتمرّغ في الرّماد ـ فصكّت وجهها ودعت بالويل وقالت : من رأى المبتلى؟ فقال أيّوب : أما تعرفينه لو رأيته؟ فقالت : أمّا في حال صحّته وشبابه كأنّه أشبه الناس بك ، قال جبريل : فهو هو ، قال أيّوب : قد منّ الله عليّ ، وردّ عليّ مالي ، وخدمي ، وأهلي ، ومثلهم معهم. قالت : فأين الولد؟ ـ وكان له ثلاثة عشر ولدا ـ فأوحى الله إليه عند مقالتها أين الولد ، قال : يا أيّوب إن شئت بعثتهم لك وإن شئت أقررتك في الجنّة ، وأعطيتك بدلهم في الدنيا مثلهم ، فقالا جميعا
__________________
(١) انظر البداية والنهاية ١ / ٢٥٦.
(٢) سورة الأنبياء ، الآية : ٨٣.
(٣) سورة الأنبياء ، الآية : ٨٤.
(٤) سورة ص ، الآية : ٤٢.
(٥) سورة ص ، من الآية : ٤٣.