القرية ، قالت : يا أيّوب ، ألا تتقي الله ، قد نزل بك ما ترى وأنا امرأة ضعيفة تأمرني أن أخرج من منزلنا الذي هو منزلنا؟! قال : نعم ، أطيعيني فإني أخاف أن أكون قد شققت على أهل هذا المصلّى ؛ فاحتملته فألقته في القرية. قال : فاشتدّ ريحه ، فدعاها فقال : يا هذه ، لا أحسبني إلّا قد شققت على أهل هذه القرية ، يمرّون فيجدون ريحي فتؤذيهم ، قالت : يا أيّوب ، اتق الله ، أنا امرأة ضعيفة ، ليس معي غيري ، قالت : فأين أذهب بك؟ نرى أن نكون مع الناس ؛ قال : نعم ، انظري إلى هذه الكساحة (١) الخارجة من القرية ، فاحمليني فألقيني عليها ولا تؤذي أهل القرية ، فلا أحسبني إلّا قد شققت عليهم فأطيعيني ، فاحتملته فألقته على الكساحة. قال : وألحّ عليه إبليس لا يرى منه شيئا يحب ، لا يراه إلّا صابرا. قال : فلا أدري ما قال لامرأته يوما ، فجاء منها شيء (٢) ، فآلى ليجلدنّها مائة جلدة إن برئ.
قال : واشتدّ به البلاء ، فقالت له امرأته : والله إنّي لأعلم أنّ الله لم يفعل بك هذا من هوانك عليه ، هو ربّك ، ولكنه أراد أن يبتليك كما ابتلى أباك إبراهيم ، لينظر أتصبر وتشكر؟ قال : فتريدين ما ذا؟ قالت : ادع الله ، فو الله ليكشفنّ عنك ذا البلاء ، قال : فكم مضى من عمري؟ قالت : كذا وكذا ، قال : فقد كنت في تلك النعمة والرفاهية والخير ، فما ابتلاني بعد ذلك ، قال : فجزعت وقالت : يا أيّوب! فإنك تريد أن تصبر على قدر ذلك (٣)!.
فأصبحت يوما وقد اشتدّ بأيّوب البلاء حتى ما يقدر على المنطق ، وذهل عنه أهل المصلّى فقالوا : هذا المبتلى سبع سنين على الكساحة وسبعة أشهر وسبعة أيام (٤) ، وقد أغفلناه لا نتعاهده ، انطلقوا بنا نتعاهده ونسلّم عليه ونسأله أله حاجة؟ فأقبلوا بجماعتهم ، وغدت امرأته حتى تقضي ما تطلب له ، وبقي وحده ، وانتهوا إليه فلم يستطيعوا يدنون منه ساعة ولا يسمعونه (٥) ، قالوا : فكيف نصنع ، نرجع؟ فقال بعضهم : أغفلناه هذه السنوات ، فلمّا جئناه ورأيناه ورآنا ننصرف ولا نكلّمه؟! فقال بعضهم : نضع ثيابنا على أنفنا وندنو منه فنكلّمه ، ثم ننصرف عنه ، ونعرض عليه الحاجة ؛ قال : فأخذوا على أنفهم ودنوا منه حيث
__________________
(١) الكساحة : الكناسة.
(٢) في الكامل لابن الأثير أن إبليس قال لزوجته اتبعيني واسجدي لي أرده إليكم وأشفيه. وانظر ترجمة أيوب المتقدمة ١٠ / ٦٧ ـ ٦٨.
(٣) انظر ترجمة أيوب المتقدمة ١٠ / ٦٤ باختلاف الرواية.
(٤) كذا وقيل في مدة بلائه أقوال أخرى ، انظر ما لاحظناه قريبا.
(٥) كان قد أنتن وقذر جسده ، الطبري ١ / ١٩٥.