يسمعونه الكلام ، فلما رأوه عاينوا عظيما لم يروه قبل ذلك في أحد ، حتى رأوا الدوابّ تخترق فيه ، فقال رجل : يا أيّوب ، لو علم الله فيك خيرا لم يبتلك بما نرى ، وانصرفوا عنه راجعين. قال : فعرض لربّه بالدعاء فقال : (أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)(١) قال : ونزل عليه جبريل ، فخرق له الأرض بجناحيه ، فنبعت له عينان ، فقال : يا أيّوب ، اشرب من هذه واغتسل في هذه ؛ قال : فشرب واغتسل ، فإذا أيّوب أحسن ما كان صورة وأتمّه ، ونهض عنه جبريل. قال : ففكّر أيّوب في بلاء امرأته عنده وحسن صنيعها إليه وصبرها عليه ، قال : لا أبرح حتى تجيء ؛ قال : فقعد في فيء شيء ، وأقبلت امرأته من حاجتها ولم تره ، فانطلقت والهة إلى القرية تسعى ثم عادت والهة ، لا تعقل ، ومرّت بأيّوب فقالت : يا عبد الله ، هل رأيت ذاك المبتلى الملقى على الكساحة؟ قال : يقول لها أيّوب : وما ذا تخشين عليه؟ قالت : صدقت ، ولكن أخشى أن يكون كلب أو سبع اجترّه ، قال : فما تمالك أيّوب أن بكى وقال : هل تعرفينه لو رأيته؟ فنظرت إليه فقالت : والله إنك لأشبه خلق الله به إذ كان صحيحا ، قال : فأنا أيّوب ، قالت : أنت أيّوب! قال : أنا أيّوب ، ألم أخبرك أنّ الله أراد أن يتمّ نعمته عليّ ، قال : فرجع إلى محرابه.
وحكى وهب بن منبّه قال (٢) :
قال إبليس لامرأة أيّوب : بم أصابكم ما أصابكم؟ قالت : بقدر الله ، قال : وهذا أيضا! فاتبعيني ، [فاتبعته](٣) فأراها جميع ما ذهب منهم في واد ، فقال : اسجدي لي وأردّ عليكم ، فقالت : إنّ لي زوجا أستأمره ، فأخبرت أيّوب فقال : أما آن لك أن تعلمي ، ذاك الشيطان ، لئن برئت (٤) لأضربنّك مائة جلدة (٥).
وعن ابن المسيّب :
أنه بلغه أنّ أيّوب على نبيّنا وعليه الصّلاة والسّلام كان حلف ليجلدنّ امرأة له في أن
__________________
(١) سورة الأنبياء ، الآية : ٨٣.
(٢) الخبر رواه المصنف في ترجمة أيوب المتقدمة ١٠ / ٦٧ ـ ٦٨ والكامل لابن الأثير ١ / ١٠٤ ـ ١٠٥.
(٣) زيادة للإيضاح عن المصدرين السابقين.
(٤) في الكامل لابن الأثير : شفيت.
(٥) إلى هنا الرواية في ترجمة أيوب المتقدمة ، وزيد عند ابن الأثير : وأبعدها ، وقال لها : طعامك وشرابك عليّ حرام لا أذوق مما تأتيني به شيئا ، فابعدي عني لا أراك. فذهبت عنه.