فعسكر القوم وعزلوا الأسرى ، فهم ناحية ، وعزلوا الذرية وأصابوا آل حاتم أخت عدي ، ونسيات معها ، فعزلوهن على حدة. فقال أسلم لعلي : ما تنتظر بإطلاقي؟ قال : تشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمّدا رسول الله. قال : أنا على دين قومي هؤلاء الأسرى. ما صنعوا صنعت. قال : ألا تراهم موثقين ، فنجعلك معهم في رباطك؟ قال : نعم أنا مع هؤلاء موثق أحبّ إليّ من أن أكون مع غيرهم مطلقا ، يصيبني ما أصابهم ، فضحك أهل السرية منه ، فأوثق وطرح مع الأسرى وقال : أنا معهم حتى تروا فيهم ما أنتم راءون ، فقائل يقول له من الأسرى : لا مرحبا بك أنت جئتنا بهم ، وقائل يقول : مرحبا بك وأهلا ما كان عليك أكثر مما صنعت ، لو أصابنا الذي أصابك لفعلنا الذي فعلت وأشدّ منه ، ثم قد آسيت بنفسك ، وجاء العسكر فاجتمعوا فقربوا الأسرى فعرضوا عليهم الإسلام فمن أسلم ترك ، ومن أبى ضربت عنقه حتى أتوا على العبد الأسود فعرضوا عليه الإسلام فقال : والله إنّ الجزع من السيف للؤم ، وما من خلود. قال يقول رجل من الحي ممن أسلم : يا عجبا منك ألا كان هذا حيث أخذت ، فلما قتل من قتل منا ، وسبي من سبي [منا](١) وأسلم من أسلم راغبا في الإسلام تقول ما تقول؟! ويحك ، أسلم واتبع دين محمّد قال : فإني أسلم وأتبع دين محمّد ، فأسلم ، فترك ، وكان بعد ذلك قد بقي حتى كانت الردة فشهد مع خالد بن الوليد اليمامة فأبلى بلاء حسنا.
قال : وسار علي إلى الفلس فهدمه وخربه ، ووجدوا في بيته ثلاثة أسياف : رسوب والمخزم وسيف يقال له : اليماني ، وثلاثة أدرع ، وجردوه وكان عليه ثياب يلبسونه [إياها](٢) وجمعوا السبي فاستعمل أبا قتادة واستعمل عبد الله بن عتيك السلمي على الماشية الرثة ، ثم ساروا حتى نزلوا ركك (٣) فاقتسموا السبي والغنائم ، وعزل للنبي صلىاللهعليهوسلم صفيا (٤) : رسوب والمخزم ، ثم صار له بعد السيف الآخر ، وعزل الخمس ، وعزل آل حاتم ، فلم يقسمهم حتى قدم بهم المدينة.
قال الواقدي (٥) : فحدّثت هذا الحديث عبد الله بن جعفر الزهري (٦) فقال : حدّثني ابن
__________________
(١) زيادة عن المغازي.
(٢) زيادة عن المغازي للإيضاح.
(٣) ركك : محلة من محال سلمى ، أحد جبلي طيئ (معجم البلدان) وتحرفت بالأصل و «ز» إلى : رعكا.
(٤) الصفي : ما كان يأخذه رئيس الجيش ويختاره لنفسه من الغنيمة قبل القسمة (النهاية).
(٥) مغازي الواقدي ٣ / ٩٨٨.
(٦) بالأصل : الزبيري ، تصحيف ، والتصويب عن «ز» ، والمغازي.