قال أبو عامر في حديثه : فدخل الإسلام في قلبي ، وأحببت رسول الله صلىاللهعليهوسلم حبّا لم أحبه شيئا قط ، قال : ولم يكن في البيت إلّا خصاف (١) ووسادة أديم ، وقال في حديثه : فلم يجلس عليها ، ولم أجلس عليها ، ثم أقبل عليّ فقال : هيه يا عدي بن حاتم أفررت أن توحّد الله ، وهل من أحد غير الله؟! هيه يا عدي بن حاتم أفررت أن تكبّر الله ، ومن أكبر من الله؟ هيه يا عدي بن حاتم ، أفررت أن تعظّم الله ومن أعظم من الله؟! هيه يا عدي بن حاتم أفررت أن تشهد أن لا إله إلّا الله وهل من إله غير الله؟! هيه يا عدي بن حاتم أفررت أن تشهد أن محمّدا رسول الله؟! قال : فجعل رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول نحو هذا ، وأنا أبكي ، قال : ثم أسلمت (٢).
قال ابن إسحاق في حديثه : ثم قال : إيه يا عدي بن حاتم ، ألم تك ركوسيا (٣) ، قال : قلت : بلى ، قال : فإن ذلك لم يكن يحلّ لك في دينك. قال : قلت : أجل والله ، وعرفت أنّه نبي مرسل ، يعلم ما يجهل ، قال ثم قال : لعله (٤) يا عدي بن حاتم إنّما يمنعك من دخول في هذا الدين ما ترى من حاجتهم ، فو الله لأوشك (٥) أن يفيض فيهم يعني المال حتى لا يوجد من يأخذه ، ولعله أن يمنعك من ذلك ما ترى من كثرة عدوّهم (٦) وقلّة عددهم ، فو الله ليوشكن أن تسمع بالمرأة تخرج من القادسية على بعيرها حتى تزور البيت لا تخاف ، ولعلك إنّما يمنعك من دخول فيه إنك ترى أن الملك والسلطان في غيرهم ، وأيم الله ، ليوشكن أن تسمع بالقصور من أرض بابل البيض (٧) قد فتحت عليهم ، قال : فأسلمت.
فكان عدي يقول : مضت اثنتان وبقيت الثالثة ، وو الله لتكونن (٨) ، لقد رأيت القصور البيض من أرض بابل وقد فتحت عليهم ، ورأيت المرأة تخرج على بعيرها لا تخاف إلا الله حتى تحجّ هذا البيت من القادسية ، وأيم الله لتكونن الثالثة ، ليفيضنّ (٩) المال حتى لا يوجد من يأخذه.
__________________
(١) الخصاف جمع خصفة وهي جلة التمر التي تعمل من الخوص.
(٢) قول أبي عامر العقدي المتقدم ليس في سيرة ابن هشام.
(٣) الركوسي ، من الركوسية وهم قوم لهم دين بين دين النصارى والصابئين (راجع تاج العروس واللسان : ركس).
(٤) في السيرة : لعلك.
(٥) في السيرة : ليوشكن المال أن يفيض.
(٦) بالأصل و «ز» : عددهم ، والمثبت عن السيرة.
(٧) في السيرة : بالقصور البيض من أرض بابل.
(٨) إعجامها ناقص بالأصل ، والمثبت عن «ز» ، والسيرة.
(٩) بالأصل و «ز» : ليبيضن ، والمثبت عن السيرة.