يريدها ، فلما صار ببعض الطريق إذا بغراب (١) بانة ينتف ريشه ، فتطيّر من ذلك ، فبينا هو يسير لقي رجلا عائفا زاجرا فأخبره بما قصد له ، وما رأى في طريقه فقال له : لقد ماتت هذه المرأة واستبدلت به بديلا ، فقدم مصر فوجد الناس منصرفين من جنازتها فأنشأ يقول (٢) :
فما أعيف النّهديّ لا درّ درّه |
|
وأعلمه (٣) بالزجر لا عز ناصره |
رأيت غرابا واقعا (٤) فوق بانة |
|
ينتف أعلى ريشه ويطايره |
فأما غراب فاغتراب من النوى |
|
وبان فبين من حبيب تعاشره (٥) |
أنبأنا أبو بكر محمّد بن عبد الباقي وغيره عن أبي القاسم التنوخي.
وأخبرتنا شهدة بنت أحمد بن الفرج في كتابها قالت : أنا جعفر بن أحمد بن الحسين ، أنا أبو القاسم علي بن المحسن التنوخي بقراءتي عليه ، أنا أبو الحسن علي بن عيسى الرماني النحوي ، نا أبو بكر بن دريد ، أنا عبد الأول بن مريد (٦) ، أخبرني حماد بن إسحاق ، عن أبيه قال (٧) :
خرج كثيّر يريد عبد العزيز بن مروان وأكرمه ورفع منزلته ، وأحسن جائزته ، وقال : سلني ما شئت من الحوائج ، قال : نعم ، أحب أن تنظر لي من يعرف قبر عزّة ، فيقفني عليه ، فقال رجل من القوم : إنّي لعارف به ، فوثب كثيّر فقال لعبد العزيز : حاجتي أصلحك الله ، فانطلق به الرجل حتى انتهى إلى موضع قبرها ، فوضع يده عليه وعيناه تجري ، وهو يقول (٨) :
وقفت على ربع لعزّة ناقتي |
|
وفي (٩) البرد رشاش من الدمع يسفح |
فيا عزّ أنت البدر قد حال دونه |
|
رجيع التراب والصّفيح المضرّح |
__________________
(١) كتب فوقها في «ز» : على.
(٢) الأبيات في ديوانه ص ١٠٤ ـ ١٠٥.
(٣) في الديوان : وأزجره للطير.
(٤) في الديوان : ساقطا.
(٥) روايته في الديوان :
فمقال غراب لاغتراب من النوى |
|
وفي البان بين من حبيب تجاوره |
(٦) بالأصل : مربد ، تصحيف ، والمثبت عن «ز». وضبطت اللفظة بضم الميم وفتح الراء وسكون الياء عن الاكمال.
(٧) الخبر والشعر في مصارع العشاق ١ / ١٢٦.
(٨) الأبيات في ديوانه ص ٧٢ ـ ٧٣.
(٩) بالأصل و «ز» : «وفي الناد» والمثبت عن المطبوعة.