الحلقة ، فقال سليمان : هذا يحلق ما ظهر فكيف بما بطن؟ فصنعوا النّورة (١) ، فكانت النّورة أوّل ما صنعت. فأمر سليمان ببلقيس فانطلق بها إلى النساء فهيّئت ، فتزوّجها سليمان فأحبّها ونزلت منه بمنزلة لم ينزلها أحد من نسائه.
وكان سليمان قبل أن يتزوّج بلقيس لا يدفع خاتمه إلى أحد ولا يأمن عليه أحدا ، فلمّا تزوّج بلقيس أمّنها على خاتمه ، وكان إذا دخل لحاجته جاءت بلقيس فدفع الخاتم إليها ، فإذا قضى حاجته خرج فقال لها : هاتي ماء فتوضّئه ، ثم يأخذ الخاتم منها فيخرج إلى الناس ، فبينما هو ذات يوم قد دخل لحاجته ، وقد دفع الخاتم لبلقيس ؛ إذ جاء دمرياط (٢) فدخل في صورة سليمان ثم تسوّر الحائط فخرج من باب المخرج فقال لبلقيس : هاتي ماء ، فجاءته بماء فوضّأته ، قال : هاتي الخاتم فأخذ الخاتم فلبسه فأفرغ على الخبيث بهجة الملك ؛ وكان سلطان سليمان في خاتمه ، فخرج الخبيث فجلس على عرش سليمان وبنو إسرائيل حوله جلوس لا ينكرونه ، وآصف قام على رأسه لا يعرفه ، فخرج سليمان من الحاجة ، فثارت بلقيس ، فقالت في نفسها : ما لسليمان أن دخل معه الخاتم؟! فقال لها سليمان : هاتي ماء ، فجاءته بماء ، فتوضّأ. ثم قال : هاتي الخاتم قالت : قد دفعت إليك الخاتم ، قال سليمان : يا بلقيس اتقي الله ، فإنّ الله قد هداك على يدي للإسلام ، وأخرجك من الشّرك وأهله ، وإني قد ائتمنتك على سلطان ربّي الذي وهبه لي فلا ينبغي لك أن تخونيني ، قالت بلقيس : وأنت يا سليمان فاتّق الله ، فإنّ الله قد اصطفاك وأكرمك برسالاته ، ولا ينبغي لك أن تخونني ، فإني لم أخنك ، فقال سليمان : من أخذ الخاتم؟ قالت : أنت أخذته ولا أنكرك ، فعرف سليمان أن البليّة قد نزلت ، فاطّلع إلى مجلسه فإذا دمرياط جالس على عرشه ، فطرح سليمان ثيابه ولبس ثيابا دونها ثم خرج يسيح في الأرض ، فإذا جاع دخل بعض القرى فيأتي العجوز جالسة بباب بيتها فيستطعمها فتردّه فيقول : أطعميني فإني سليمان ، فتقول : سليمان ملك الدنيا وتأخذ التراب والحجارة وترميه به وتقول : لم تكذب على سليمان؟ فلم يزل يطوف حتى انتهى إلى بحر القلزم ، فإذا صيّادون في سفينة يصيدون الحيتان ، فقال لهم سليمان : أؤاجركم على نفسي على أن تطعموني. قالوا : نعم ، فاستأجروه كلّ يوم بأربعة أرغفة وحوتين (٣) ، فكان
__________________
(١) النورة : من الحجر يحرق ويسوى منه الكلس ويحلق به شعر العانة.
(٢) الرواية باختلاف في تاريخ الطبري ١ / ٢٩٣ ـ ٢٩٤ وفيه أن الشيطان صاحب البحر ، وسماه صخرا. وأن القصة كانت مع امرأة من نسائه.
(٣) في تاريخ الطبري : يعطونه كل يوم سمكتين ، فإذا أمسى باع إحدى سمكتيه بأرغفة وشوى الأخرى.