معهم فإذا جاءت السفينة فيها حيتان أخذ سليمان مكيلا فنقل الحيتان من السفينة إلى البر ، فلم يزل مع الصيّادين.
وأنكرت بنو إسرائيل أحكامهم وأمورهم وقضاياهم ؛ ففزع بعضهم إلى بعض ولقي بعضهم بعضا ، وفزعت الأشراف إلى الفقهاء فقالوا : ما أنكرتم ما أنكرنا من أمر سليمان؟ فقال الفقهاء : بلى ، فقالوا : لئن كان هذا سليمان لقد خولط فهلكت الأرض ومن عليها ، فلقي الفقهاء آصف ، فقالوا : هل أنكرت من أمر سليمان؟ فقال : لئن كان هذا سليمان لقد هلكنا ، وكان آصف غلاما من أولاد الأنبياء ، كان في حجر سليمان قد تبنّاه ، وكان يدخل على نسائه ، فقال الفقهاء لآصف : ادخل على النساء فسلهنّ ؛ فدخل آصف على النساء فسألهنّ ، فقلن : ما هذا سليمان وبكين (١) ، وقلن : لئن كان هذا سليمان لقد هلكنا وهلكتم وهلكت الأرض ، لا والله ما هو سليمان. وكان ذلك لتسع وثلاثين ليلة من بليّة سليمان ، فخرج آصف فقال : يا معشر بني إسرائيل افعلوا ما أنتم فاعلون ، فإن هذا ليس بسليمان ، واجتمعت بنو إسرائيل وأجمعوا على أن ينهضوا بالفاسق دمرياط ؛ فبلغه ذلك فهرب ، وذهب معه بالخاتم صبيحة أربعين ليلة من بليّة سليمان حتى أتى بحر القلزم ، وكان القلزم من أبعد البحور قعرا ، فرمى بالخاتم في البحر وقال : لا يرجع إلى سليمان ملكه أبدا ، ثم أتى جزيرة من القلزم فكان فيها ، وبعث الله حوتا تدعى الملكة فالتقمت الخاتم حين طرحه الفاسق ، فانطلق الصيّادون الذين معهم سليمان فألقوا شبكتهم ، فجرّوا الشبكة وألقوا ما فيها في السفينة ، فأخذ سليمان مكيلا ينقل الحيتان على عنقه إلى الشاطئ حتى حان غداؤه ، فقال لأصحابه : هاتوا غدائي فأعطوه رغيفين ، ثم تناول بعضهم حوتا وطرحه إليه وهي الملكة ، فأخذها وشق بطنها ، فبدر الخاتم فأخذه سليمان فقبّله ووضعه في يده فجاءته الطير فأظلّته وجاءت الرّيح فحفّت به وجاءت الجنّ فطارت بجنبيه ، فنظر إليه الملّاحون فكبّروا وخرّوا سجّدا له ، فقالوا : أيها الملك إنّا لم نعرفك ، فقال سليمان : لست ألومكم على ما كان ، ولا أحمدكم على ما صنعتم ، إنما هو سلطان ربّي أعطانيه قهر به خلقه ، وسخّرهم لي.
وأمر الريح فحملته ومن معه من الجنود تزيف (٢) بهم على وجه الأرض وعلى البحور حتى أتى منزله ؛ ثم قال للشياطين عليّ بالفاسق دمرياط ؛ فطافت الشياطين حتى وجدوه في
__________________
(١) أنكر نساؤه أنه كان لا يدع امرأة منهن في دمها ، ولا يغتسل من جنابة ، قاله الطبري في تاريخه ١ / ٢٩٤.
(٢) تزيف بهم أي تسرع.