المؤرّخون والمحدّثون منهم ابن عبدالبرّ والبلاذري وابن عبد ربّه : أنّ زياد ابن أبيه أراد الحجّ ، فأتاه أبو بكرة أخوه وهو لا يكلّمه ، فأخذ ابنه فأجلسه في حجره ليخاطبه ويسمع زياداً ، فقال : إنّ أباك فعل وفعل ، وإنّه يريد الحجّ ، واُمّ حبيبة زوج النبيّ صلىاللهعليهوآله هناك ، فإن أذنت له فأعظم بها مصيبة وخيانة لرسول الله صلىاللهعليهوآله ، وإن حجبته فأعظم بها حجة عليه ، فقال زياد : ما تدع النصيحة لأخيك وترك الحج فيما قاله البلاذري. وقيل : حجّ ولم يزر من أجل قول أبي بكرة. وقيل : أراد الدخول عليها فذكر قول أبي بكرة فانصرف. وقيل : إنّها حجبته.
قال السبكيّ : والقصة على كل تقدير تشهد لأنّ زيارة الحاجّ كانت معهودةً من ذلك الوقت ، وإلّا فكان يمكنه الحجّ من غير طريق المدينة ، بل هي أقرب إليه ؛ لأنّه كان بالعراق ولكن كان إتيان المدينة عندهم أمراً لا يترك. انتهى.
لا يقال : نحن نسلِّم بأنّ إتيان المدينة أمر راجح مستحبّ ، ولكن بقصد الصلاة في المسجد والزيارة تبع ، والذي نمنعه إتيانها بقصد الزيارة.
لأنّا نقول : المعروف بين المسلمين من
عهد الصحابة إلى اليوم اتيان المدينة بقصد الزيارة ، هذا الذي جرت عليه سيرتهم وعملهم ، لا يخطر ببالهم غيره ، ولا يدور في خلدهم سواه. وأمّا قصد المسجد وكون الزيارة تبعاً فشيء لم يكن يعرفه أحد قبل الوهابية ، ولو كان لحرمة قصد الزيارة بالسفر أصل في الشرع لشاعت وذاعت وعرفها جميع المسلمين ، ووصلت إلى حدّ الضرورة ؛ لاحتياج الجميع إلى معرفتها ، ولكانت قامت بها الخطباء