وإشارة (هذا) تشير إلى معلوم من السّياق ، وهو ما كان الكلام عليه من أوّل الجدال من قوله : (ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ) [الأنعام : ١٤٣] الآيات ، وقد سبقت الإشارة إليه أيضا بقوله : (أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللهُ بِهذا) [الأنعام : ١٤٤].
ثمّ فرع على فرض أن يحضروا شهداء يشهدون ، قوله : (فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ) ، أي إن فرض المستبعد فأحضروا لك شهداء يشهدون أنّ الله حرّم هذا الذي زعموه ، فكذّبهم وأعلم بأنّهم شهود زور ، فقوله : (فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ) كناية عن تكذيبهم لأنّ الذي يصدق أحدا يوافقه في قوله ، فاستعمل النّهي عن موافقتهم في لازمه ، وهو التّكذيب ، وإلّا فإنّ النّهي عن الشّهادة معهم لمن يعلم أنّه لا يشهد معهم لأنّه لا يصدّق بذلك فضلا على أن يكون شاهده من قبيل تحصيل الحاصل ، فقرينة الكناية ظاهرة.
وعطف على النّهي عن تصديقهم ، النّهي عن اتّباع هواهم بقوله : (وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا).
وأظهر في مقام الإضمار قوله : (الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) لأنّ في هذه الصّلة تذكيرا بأنّ المشركين يكذّبون بآيات الله ، فهم ممّن يتجنّب اتّباعهم ، وقيل : أريد بالذين كذبوا اليهود بناء على ما تقدّم من احتمال أن يكونوا المراد من قوله : (فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ) [الأنعام : ١٤٧] وسمّى دينهم هوى لعدم استناده إلى مستند ولكنّه إرضاء للهوى. والهوى غلب إطلاقه على محبّة الملائم العاجل الذي عاقبته ضرر. وقد تقدّم عند قوله تعالى : (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ) في سورة البقرة [١٤٥].
وقوله : (وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) عطف على (الَّذِينَ كَذَّبُوا) والمقصود عطف الصّلة على الصّلة لأنّ أصحاب الصّلتين متّحدون ، وهم المشركون ، فهذا كعطف الصّفات في قول القائل ، أنشده الفراء :
إلى الملك القرم وابن الهما |
|
م وليث الكتيبة في المزدحم |
كان مقتضى الظاهر أن لا يعاد اسم الموصول لأنّ حرف العطف مغن عنه ، ولكن أجري الكلام على خلاف مقتضى الظاهر لزيادة التّشهير بهم ، كما هو بعض نكت الإظهار في مقام الإضمار. وقيل : أريد بالذين كذّبوا بالآيات : الذين كذّبوا الرّسول عليه الصّلاة والسّلام والقرآن ، وهم أهل الكتابين ، وبالذين لا يؤمنون بالآخرة وهم بربّهم يعدلون: المشركون ، وقد تقدّم معنى : (بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) عند قوله تعالى : (ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ