المعاريض لمندوحة عن الكذب» (١).
(وَبِعَهْدِ اللهِ أَوْفُوا).
ختم هذه المتلوات بالأمر بإيفاء العهد بقوله : (وَبِعَهْدِ اللهِ أَوْفُوا). وعهد الله المأمور بالإيفاء به هو كلّ عهد فيه معنى الانتساب إلى الله الذي اقتضته الإضافة ، إذ الإضافة هنا يصحّ أن تكون إضافة المصدر إلى الفاعل ، أي ما عهد الله به إليكم من الشّرائع ، ويصحّ أن تكون إضافة المصدر إلى مفعوله ، أي ما عاهدتم الله أن تفعلوه ، والتزمتموه وتقلّدتموه ، ويصحّ أن تكون الإضافة لأدنى ملابسة ، أي العهد الذي أمر الله بحفظه ، وحذر من ختره ، وهو العهود التي تنعقد بين الناس بعضهم مع بعض سواء كان بين القبائل أم كان بين الآحاد. ولأجل مراعاة هذه المعاني النّاشئة عن صلاحيّة الإضافة لإفادتها عدل إلى طريق إسناد اسم العهد إلى اسم الجلالة بطريق الإضافة دون طريق الفعل ، بأن يقال : وبما عاهدتم الله عليه ، أو نحن ذلك ما لا يحتمل إلّا معنى واحدا. وإذ كان الخطاب بقوله : (تَعالَوْا) [الأنعام : ١٥١] للمشركين تعيّن أن يكون العهد شيئا قد تقرّرت معرفته بينهم ، وهو العهود التي يعقدونها بالموالاة والصّلح أو نحو ذلك فهو يدعوهم إلى الوفاء بما عاقدوا عليه. وأضيف إلى الله لأنّهم كانوا يتحالفون عند التّعاقد ولذلك يسمّون العهد حلفا ، قال الحارث بن حلّزة :
واذكروا حلف ذي المجاز وما |
|
قدم فيه العهود والكفلاء |
وقال عمرو بن كلثوم :
ونوجد نحن أمنعهم ذمارا |
|
وأوفاهم إذا عقدوا يمينا |
فالآية آمرة لهم بالوفاء ، وكان العرب يتمادحون به. ومن العهود المقرّرة بينهم : حلف الفضول ، وحلف المطيّبين ، وكلاهما كان في الجاهليّة على نفي الظّلم والجور عن القاطنين بمكّة ، وذلك تحقيق لعهد الله لإبراهيم عليهالسلام أن يجعل مكّة بلدا آمنا ومن دخله كان آمنا ، وقد اعتدى المشركون على ضعفاء المؤمنين وظلموهم مثل عمار ، وبلال ، وعامر بن فهيرة ، ونحوهم ، فهو يقول لهم فيما يتلو عليهم أنّ خفر عهد الله بأمان مكّة ، وخفر عهودكم بذلك ، أولى بأن تحرّموه من مزاعمكم الكاذبة فيما حرّمتم وفصّلتم ، فهذا
__________________
(١) رواه البيهقي في «سننه» وابن عدي في «الكامل» عن عمران بن حصين. قيل : هو مرفوع والأصح موقوف.