الأوّل : عن السدّي ، والضحاك : أنّ معنى (كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً) : كسبت في تصديقها ، أي معه أو في مدّته ، عملا صالحا ، قالا : وهؤلاء أهل القبلة ، فإن كانت مصدّقة ولم تعمل قبل ذلك ، أي إتيان بعض آيات الله ، فعملت بعد أن رأت الآية لم يقبل منها ، وإن عملت قبل الآية خيرا ثمّ عملت بعد الآية خيرا قبل منها.
الثّاني : أنّ لفظ القرآن جرى على طريقة التّغليب ، لأنّ الأكثر ممّن ينتفع بإيمانه ساعتئذ هو من كسب في إيمانه خيرا.
الثّالث : أنّ الكلام إبهام في أحد الأمرين ، فالمعنى : لا ينفع يومئذ إيمان من لم يكن آمن قبل ذلك اليوم أو ضمّ إلى إيمانه فعل الخير ، أي لا ينفع إيمان من يؤمن من الكفار ولا طاعة من يطيع من المؤمنين. وأمّا من آمن قبل فإنّه ينفعه إيمانه ، وكذلك من أطاع قبل نفعته طاعته.
وقد كان قوله : (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ) بعد قوله : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ) ، مقتصرا على ما يأتي من آيات الله في اليوم المؤجّل له ، إعراضا عن التعرّض لما يكون يوم تأتي الملائكة أو يأتي ربّك ، لأنّ إتيان الملائكة ، والمعطوف عليه غير محتمل الوقوع وإنّما جرى ذكره إبطالا لقولهم : (أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً) [الإسراء : ٩٢] ونحوه من تهكّماتهم ، وإنّما الذي يكون ممّا انتظروه هو أن يأتي بعض آيات الله ، فهو محلّ الموعظة والتّحذير ، وآيات القرآن في هذا كثيرة منها قوله تعالى : (فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا) [غافر : ٨٥].
وآيات الله منها ما يختصّ بالمشركين وهو ما هدّدهم الله به من نزول العذاب بهم في الدّنيا ، كما نزل بالأمم من قبلهم ، ومنها آيات عامّة للنّاس أجمعين ، وهو ما يعرف بأشراط السّاعة ، أي الأشراط الكبرى.
وقد جاء تفسير هذه الآية في السنّة بطلوع الشّمس من مغربها. ففي «الصّحيحين» وغيرهما عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لا تقوم السّاعة حتّى تطلع الشّمس من مغربها فإذا رآها النّاس آمن من عليها فذلك حين لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل». ثمّ قرأ هذه الآية ، أي قوله تعالى : (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ ـ إلى قوله ـ خَيْراً). وفي «صحيح مسلم» عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «من تاب قبل طلوع الشّمس من مغربها تاب الله عليه». وفي «جامع التّرمذي» ، عن صفوان بن عسال المرادي قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «باب من قبل المغرب مفتوح مسيرة عرضه أربعين سنة