يبقى أمرهم إلى الله مدّة. وذلك هو الإمهال والإملاء لهم ، ثمّ يعاقبهم ، فأطلق الإنباء على العقاب ، لأنّه إن كان العقاب عقاب الآخرة فهو يتقدّمه الحساب ، وفيه إنباء الجاني بجنايته وبأنّه مأخوذ بها ، فإطلاق الإنباء عليه حقيقة مراد معها لازمه على وجه الكناية ، وإن كان العقاب عقاب الدّنيا فإطلاق الإنباء عليه مجاز ، لأنّه إذا نزل بهم العذاب بعد الوعيد علموا أنّه العقاب الموعود به ، فكان حصول ذلك العلم لهم عند وقوعه شبيها بحصول العلم الحاصل عن الإخبار فأطلق عليه الإنباء ، فيكون قوله : (يُنَبِّئُهُمْ) بمعنى يعاقبهم بما كانوا يفعلون.
ووصف المشركين بأنّهم فرّقوا دينهم وكانوا شيعا : يؤذن بأنّه وصف شنيع ، إذ ما وصفهم الله به إلّا في سياق الذم ، فيؤذن ذلك بأنّ الله يحذّر المسلمين من أن يكونوا في دينهم كما كان المشركون في دينهم ، ولذلك قال تعالى : (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ ـ إلى قوله ـ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) [الشورى : ١٣].
وتفريق دين الإسلام هو تفريق أصوله بعد اجتماعها ، كما فعل بعض العرب من منعهم الزّكاة بعد رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال أبو بكر رضياللهعنه : لأقاتلنّ من فرّق بين الصّلاة والزّكاة. وأمّا تفريق الآراء في التّعليلات والتّبيينات فلا بأس به ، وهو من النّظر في الدّين : مثل الاختلاف في أدلّة الصّفات ، وفي تحقيق معانيها ، مع الاتّفاق على إثباتها. وكذلك تفريق الفروع : كتفريق فروع الفقه بالخلاف بين الفقهاء ، مع الاتّفاق على صفة العمل وعلى ما به صحة الأعمال وفسادها. كالاختلاف في حقيقة الفرض والواجب. والحاصل أنّ كلّ تفريق لا يكفّر به بعض الفرق بعضا ، ولا يفضي إلى تقاتل وفتن ، فهو تفريق نظر واستدلال وتطلّب للحقّ بقدر الطّاقة وكلّ تفريق يفضي بأصحابه إلى تكفير بعضهم بعضا ، ومقاتلة بعضهم بعضا في أمر الدّين ، فهو ممّا حذّر الله منه ، وأمّا ما كان بين المسلمين نزاعا على الملك والدّنيا فليس تفريقا في الدّين ، ولكنّه من الأحوال التي لا تسلم منها الجماعات.
وقرأه الجمهور : (فَرَّقُوا) ـ بتشديد الراء ـ وقرأه حمزة ، والكسائي : فارقوا ـ بألف بعد الفاء ـ أي تركوا دينهم ، أي تركوا ما كان دينا لهم ، أي لجميع العرب ، وهو الحنيفية فنبذوها وجعلوها عدّة نحل. ومآل القراءتين واحد.
(مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلاَّ مِثْلَها وَهُمْ