كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ) [البقرة : ٢٦١] فذلك خاصّ بالإنفاق في الجهاد. وفي الحديث : «من همّ بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة وإن همّ بها فعملها كتبها الله عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة».
وقرأ الجمهور : (عَشْرُ أَمْثالِها) بإضافة (عَشْرُ) إلى (أَمْثالِها). وهو من إضافة الصّفة إلى الموصوف ، وقرأه يعقوب ـ بتنوين (عَشْرُ) ورفع (أَمْثالِها) ، على أنّه صفة ل (عَشْرُ) ، أي فله عشر حسنات مماثلة للحسنة التي جاء بها. ومماثلة الجزاء للحسنة موكول إلى علم الله تعالى وفضله.
وإنّما قال في جانب السيّئة فلا يجزى إلّا مثلها بصيغة الحصر لأجل ما في صيغته من تقديم جانب النّفي ، اهتماما به ، لإظهار العدل الإلهي ، فالحصر حقيقي ، وليس في الحصر الحقيقي ردّ اعتقاد بل هو إخبار عمّا في نفس الأمر ، ولذلك كان يساويه أن يقال : ومن جاء بالسيّئة فيجزى مثلها ، لو لا الاهتمام بجانب نفي الزّيادة على المماثلة. ونظيره قول النّبيء صلىاللهعليهوسلم حين سألته هند بنت عتبة فقالت : إنّ أبا سفيان رجل مسّيك فهل عليّ حرج أن أطعم من الذي له عيالنا ، فقال لها : «لا إلّا بالمعروف» ولم يقل لها : أطعميهم بالمعروف. وقد جاء على هذا المعنى قول النّبيء صلىاللهعليهوسلم ومن همّ بسيّئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة وإن همّ بها فعملها كتبها الله سيّئة واحدة» ؛ فأكّدها بواحدة تحقيقا لعدم الزّيادة في جزاء السيّئة.
ولذلك أعقبه بقوله : (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) والضّمير يعود إلى (مَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ). إظهار للعدل ، فلذلك سجل الله عليهم بأنّ هذا لا ظلم فيه لينصفوا من أنفسهم. وأمّا عدّ عود الضّميرين إلى الفريقين فلا يناسب فريق أصحاب الحسنات ، لأنّه لا يحسن أن يقال للذي أكرم وأفيض عليه الخير إنّه غير مظلوم.
(قُلْ إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٦١))
استئناف ابتدائي للانتقال من مجادلة المشركين ، وما تخلّلها ، إلى فذلكة ما أمر به الرّسول صلىاللهعليهوسلم في هذا الشّأن ، غلقا لباب المجادلة مع المعرضين ، وإعلانا بأنّه قد تقلّد لنفسه ما كان يجادلهم فيه ليتقلّدوه وأنّه ثابت على ما جاءهم به ، وأنّ إعراضهم لا يزلزله عن الحقّ.