زالت أكلة خيبر تعتادني كل عام حتى كان هذا أوان قطع أبهري» (١).
وبقوله : (وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) تحقّق معنى الإسلام الذي أصله الإلقاء بالنّفس إلى المسلم له ، وهو المعنى الذي اقتضاه قوله : (فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ) كما تقدّم في سورة آل عمران [٢٠] ، وهو معنى الحنيفية الذي حكاه الله تعالى عن إبراهيم عليهالسلام في قوله : (إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) كما في سورة البقرة [١٣١].
وقوله : (رَبِّ الْعالَمِينَ) صفة تشير إلى سبب استحقاقه أن يكون عمل مخلوقاته له لا لغيره ، لأنّ غيره ليس له عليهم نعمة الإيجاد ، كما أشار إليه قوله في أوّل السورة [١] : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ).
وجملة : (لا شَرِيكَ لَهُ) حال من اسم الجلالة مصرّحة بما أفاده جمع التّوكيد مع لام الملك من إفادة القصر. والمقصود من الصّفة والحال الردّ على المشركين بأنّهم ما أخلصوا عملهم للذي خلقهم ، وبأنّهم أشركوا معه غيره في الإلهيّة.
وقرأ نافع : (وَمَحْيايَ) ـ بسكون الياء الثّانية ـ إجراء للوصل مجرى الوقف وهو نادر في النّثر ، والرّواية عن نافع أثبتته في هذه الآية ، ومعلوم أنّ الندرة لا تناكد الفصاحة ولا يريبك ما ذكره ابن عطيّة عن أبي عليّ الفارسي : «أنّها شاذّة عن القياس لأنّها جمعت بين ساكنين لأنّ سكون الألف قبل حرف ساكن ليس ممّا يثقل في النّطق نحو عصاي ، ورؤياي ، ووجه إجراء الوصل مجرى الوقف هنا إرادة التّخفيف لأنّ توالي ياءين مفتوحتين فيه ثقل ، والألف النّاشئة عن الفتحة الأولى لا تعدّ حاجزا فعدل عن فتح الياء الثّانية إلى إسكانها». وقرأه البقيّة ـ بفتح الياء ـ وروي ذلك عن ورش ، وقال بعض أهل القراءة أنّ نافعا رجع عن الإسكان إلى الفتح.
وجملة : (وَبِذلِكَ أُمِرْتُ) عطف على جملة (إِنَّ صَلاتِي) إلخ. فهذا ممّا أمر بأن يقوله ، وحرف العطف ليس من المقول.
والإشارة في قوله : (وَبِذلِكَ) إلى المذكور من قوله : (إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي) إلخ ،
__________________
(١) الأبهر ـ بفتح الهمزة وسكون الباء وفتح الهاء عرق في القلب.