أي أنّ ذلك كان لله بهدي من الله وأمر منه ، فرجع إلى قوله : (إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) [الأنعام : ١٦١] يعني أنّه كما هداه أمره بما هو شكر على تلك الهداية ، وإنّما أعيد هنا لأنّه لما أضاف الصّلاة وما عطف عليها لنفسه وجعلها لله تعالى أعقبها بأنّه هدي من الله تعالى ، وهذا كقوله تعالى : (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ) [الزمر : ١١ ، ١٢]. وتقديم الجار والمجرور للاهتمام بالمشار إليه.
وقوله : (وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) مثل قوله : (وَبِذلِكَ أُمِرْتُ) خبر مستعمل في معناه الكنائي ، وهو لازم معناه ، يعني قبول الإسلام والثّبات عليه والاغتباط به ، لأنّ من أحبّ شيئا أسرع إليه فجاءه أوّل النّاس ، وهذا بمنزلة فعل السبق إذ يطلق في كلامهم على التمكّن والترجّح ، كما قال النّابغة :
سبقت الرّجال الباهشين إلى العلا |
|
كسبق الجواد اصطاد قبل الطوارد |
لا يريد أنّه كان في المعالي أقدم من غيره لأنّ في أهل المعالي من هو أكبر منه سنّا ، ومن نال العلا قبل أن يولد الممدوح ، ولكنّه أراد أنّه تمكّن من نوال العلا وأصبح الحائز له والثّابت عليه.
وفي الحديث : «نحن الآخرون السّابقون يوم القيامة». وهذا المعنى تأييس للمشركين من الطّمع في التّنازل لهم في دينهم ولو أقلّ تنازل. ومن استعمال (أوّل) في مثل هذا قوله تعالى : (وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ) ، كما تقدّم في سورة البقرة [٤١]. وليس المراد معناه الصّريح لقلّة جدوى الخبر بذلك ، لأنّ كلّ داع إلى شيء فهو أوّل أصحابه لا محالة ، فما ذا يفيد ذلك الأعداء والأتباع ، فإن أريد بالمسلمين الذين اتّبعوا حقيقة الإسلام بمعنى إسلام الوجه إلى الله تعالى لم يستقم ، لأنّ إبراهيم عليهالسلام كان مسلما وكان بنوه مسلمين ، كما حكى الله عنهم إذ قال إبراهيم عليهالسلام : (فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [البقرة : ١٣٢] وكذلك أبناء يعقوب كانوا مسلمين إذ قالوا : (وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) [البقرة : ١٣٦].
وقرأ نافع وأبو جعفر ـ بإثبات ألف «أنا» إذا وقعت بعدها همزة ويجري مدّها على قاعدة المدّ ، وحذفها الباقون قبل الهمزة ، واتّفق الجميع على حذفها قبل غير الهمزة تخفيفا جرى عليه العرب في الفصيح من كلامهم نحو : «أنا يوسف» واختلفوا فيه قبل الهمزة نحو أنا أفعل ، وأحسب أنّ الأفصح إثباتها مع الهمز للتّمكّن من المدّ.