بالربوبيّة لأنّها مربوبة أيضا لله تعالى.
وقوله : (وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْها) من القول بالمأمور به ، مفيد متاركة للمشركين ومقتا لهم بأنّ عنادهم لا يضرّه ، فإنّ ما اقترفوه من الشّرك لا يناله منه شيء فإنّما كسب كلّ نفس عليها ، وهم من جملة الأنفس فكسبهم عليهم لا يتجاوزهم إلى غيرهم. فالتّعميم في الحكم الواقع في قوله : (كُلِّ شَيْءٍ) فائدته مثل فائدة التّعميم الواقع في قوله : (وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ).
ودلّت كلمة (على) على أنّ مفعول الكسب المحذوف تقديره : شرّا ، أو إثما ، أو نحو ذلك ، لأنّ شأن المخاطبين هو اكتساب الشرّ والإثم كقوله : (ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) [الأنعام : ٥٢] ولك أن تجعل في الكلام احتباكا تقديره : ولا تكسب كلّ نفس إلّا لها ولا تكتسب إلا عليها فحذف من الأول لدلالة الثّاني وبالعكس إذا جربت على أن (كسب) يغلب في تحصيل الخير ، وأنّ (اكتسب) يغلب في تحصيل الشرّ ، سواء اجتمع الفعلان أم لم يجتمعا. ولا أحسب بين الفعلين فرقا ، وقد تقدّم عند قوله تعالى : (لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ) [البقرة : ٢٨٦]. والمعنى : أنّ ما يكتسبه المرء أو يكسبه لا يتعدى منه شيء إلى غيره.
وقوله : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) تكملة لمعنى قوله : (وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْها) فكما أنّ ما تكسبه نفس لا يتعدّى منه شيء إلى غيرها ، كذلك لا تحمل نفس عن نفس شيئا ، والمعنى : ولا أحمل أوزاركم.
فقوله : (وازِرَةٌ) صفة لموصوف محذوف تقديره : نفس ، دلّ عليه قوله : (وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْها) ، أي لا تحمل نفس حاملة حمل أخرى.
والوزر : الحمل ، وهو ما يحمله المرء على ظهره ، قال تعالى : (وَلكِنَّا حُمِّلْنا أَوْزاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ) [طه : ٨٧] ، وقد تقدّم عند قوله تعالى : (وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ) [الأنعام : ٣١]. وأمّا تسمية الإثم وزرا فلأنّه يتخيّل ثقيلا على نفس المؤمن. فمعنى (لا تَزِرُ وازِرَةٌ) لا تحمل حاملة ، أي لا تحمل نفس حين تحمل حمل أي نفس أخرى غيرها ، فالمعنى لا تغني نفس عن نفس شيئا تحمله عنها ، أي كلّ نفس تزر وزر نفسها ، فيفيد أنّ وزر كلّ أحد عليه وأنّه لا يحمل غيره عنه شيئا من وزره الذي وزره وأنّه لا تبعة على أحد من وزر غيره من قريب أو صديق ، فلا تغني نفس عن نفس شيئا ، ولا تتّبع نفس بإثم غيرها ، فهي إن حملت لا تحمل حمل غيرها. وهذا إتمام