لجميع تلك الأغراض.
وتعريف المسند إليه بالإضافة في قوله : (إِنَّ رَبَّكَ) لتشريف المضاف إليه ، وإظهار أن هدي الرّسول عليه الصلاة والسلام هو الهدى ، وأنّ الّذين أخبر عنهم بأنّهم مضلّون لا حظّ لهم في الهدى لأنّهم لم يتّخذوا الله ربّا لهم. وقد قال أبو سفيان يوم أحد : «لنا العزّى ولا عزّى لكم ـ فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : أجيبوه قولوا : «الله مولانا ولا مولى لكم».
و (أَعْلَمُ) اسم تفضيل للدّلالة على أنّ الله لا يعزب عن علمه أحد من الضالّين ، ولا أحد من المهتدين ، وأنّ غير الله قد يعلم بعض المهتدين وبعض المضلّين ، ويفوته علم كثير من الفريقين ، وتخفى عليه دخيلة بعض الفريقين.
والضّمير في قوله : (هُوَ أَعْلَمُ) ضمير الفصل ، لإفادة قصر المسند على المسند إليه ، فالأعلمية بالضالّين والمهتدين مقصورة على الله تعالى ، لا يشاركه فيها غيره ، ووجهه هذا القصر أنّ النّاس لا يشكّون في أنّ علمهم بالضالّين والمهتدين علم قاصر ، لأنّ كلّ أحد إذا علم بعض أحوال الناس تخفى عليهم أحوال كثير من النّاس ، وكلّهم يعلم قصور علمه ، ويتحقّق أن ثمّة من هو أعلم من العالم منهم ، لكنّ المشركين يحسبون أنّ الأعلمية وصف لله تعالى ولآلهتهم ، فنفي بالقصر أن يكون أحد يشارك الله في وصف الأعلميّة المطلقة.
و (مَنْ) موصولة ، وإعرابها نصب بنزع الخافض وهو الباء ، كما دلّ عليه وجود الباء في قوله : (وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) لأنّ أفعل التّفضيل لا ينصب بنفسه مفعولا به لضعف شبهه بالفعل ، بل إنّما يتعدّى إلى المفعول بالباء أو باللّام أو بإلى ، ونصبه المفعول نادر ، وحقّه هنا أن يعدّى بالباء ، فحذفت الباء إيجاز حذف ، تعويلا على القرينة. وإنّما حذف الحرف من الجملة الأولى ، وأظهر في الثّانية ، دون العكس ، مع أنّ شأن القرينة أن تتقدّم ، لأنّ أفعل التّفضيل يضاف إلى جمع يكون المفضّل واحدا منهم ، نحو : هو أعلم العلماء وأكرم الأسخياء ، فلمّا كان المنصوبان فيهما غير ظاهر عليهما الإعراب ، يلتبس المفعول بالمضاف إليه ، وذلك غير ملتبس في الجملة الأولى ، لأنّ الصّلة فيها دالّة على أنّ المراد أنّ الله أعلم بهم ، فلا يتوهّم أن يكون المعنى : الله أعلم الضّالّين عن سبيله ، أي أعلم عالم منهم ، إذ لا يخطر ببال سامع أن يقال : فلان أعلم الجاهلين ، لأنّه كلام متناقض ، فإنّ الضّلال جهالة ، ففساد المعنى يكون قرينة على إرادة المعنى المستقيم ، وذلك من أنواع القرينة الحاليّة ، بخلاف ما لو قال : وهو أعلم المهتدين ، فقد يتوهّم السّامع أنّ المراد أنّ