تحذير من التشبّه بالمشركين في تحريم بعض الأنعام على بعض أصناف النّاس. وهو عطف على جملة : (وَما لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) ، ويجوز أن يكون الواو للحال ، فيكون الكلام تعريضا بالحذر من أن يكونوا من جملة من يضلّهم أهل الأهواء بغير علم.
وقرأ نافع ، وابن كثير ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، ويعقوب : (لَيُضِلُّونَ) ـ بفتح الياء ـ على أنّهم ضالّون في أنفسهم ، وقرأ عاصم ، وحمزة ، والكسائي ، وخلف : ـ بضمّ الياء ـ على معنى أنّهم يضلّلون النّاس ، والمعنى واحد ، لأنّ الضالّ من شأنه أن يضلّ غيره ، ولأنّ المضلّ لا يكون في الغالب إلّا ضالا ، إلّا إذا قصد التّغرير بغيره. والمقصود التّحذير منهم وذلك حاصل على القراءتين.
والباء في (بِأَهْوائِهِمْ) للسببيّة على القراءتين. والباء في (بِغَيْرِ عِلْمٍ) للملابسة ، أي يضلّون منقادين للهوى ، ملابسين لعدم العلم. والمراد بالعلم : الجزم المطابق للواقع عن دليل ، وهذا كقوله تعالى : (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ) [الأنعام : ١١٦]. ومن هؤلاء قادة المشركين في القديم ، مثل عمرو بن لحيّ ، أوّل من سنّ لهم عبادة الأصنام وبحّر البحيرة وسيّب السائبة وحمى الحامي ، ومن بعده مثل الّذين قالوا : (ما قتل الله أولى بأن نأكله ممّا قتلنا بأيدينا).
وقوله : (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ) تذييل ، وفيه إعلام للرّسول صلىاللهعليهوسلم بتوعّد الله هؤلاء الضالّين المضلين ، فالإخبار بعلم الله بهم كناية عن أخذه إيّاهم بالعقوبة وأنّه لا يفلتهم ، لأنّ كونه عالما بهم لا يحتاج إلى الإخبار به. وهو وعيد لهم أيضا ، لأنّهم يسمعون القرآن ويقرأ عليهم حين الدّعوة. وذكر المعتدين ، عقب ذكر الضالّين ، قرينة على أنّهم المراد وإلّا لم يكن لانتظام الكلام مناسبة ، فكأنّه قال : إنّ ربّك هو أعلم بهم وهم معتدون ، وسمّاهم الله معتدين. والاعتداء : الظلم ، لأنّهم تقلّدوا الضّلال من دون حجّة ولا نظر ، فكانوا معتدين على أنفسهم ، ومعتدين على كلّ من دعوه إلى موافقتهم. وقد أشار هذا إلى أنّ كلّ من تكلّم في الدّين بما لا يعلمه ، أو دعا النّاس إلى شيء لا يعلم أنّه حق أو باطل ، فهو معتد ظالم لنفسه وللنّاس ، وكذلك كلّ ما أفتى وليس هو بكفء للإفتاء.
(وَذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِما كانُوا