ذكرناها آنفا ، وقد يكون تارك التّسمية عمدا آثما ، إلّا أنّ إثمه لا يبطل ذكاته ، كالصّلاة في الأرض المغصوبة عند غير أحمد.
وجملة : (وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ) معطوفة على جملة (وَلا تَأْكُلُوا) عطف الخبر على الإنشاء ، على رأي المحقّقين في جوازه ، وهو الحقّ ، لا سيما إذا كان العطف بالواو ، وقد أجاز عطف الخبر على الإنشاء بالواو بعض من منعه بغير الواو ، وهو قول أبي عليّ الفارسي ، واحتجّ بهذه الآية كما في «مغنى اللّبيب». وقد جعلها الرّازي وجماعة : حالا (مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) بناء على منع عطف الخبر على الإنشاء.
والضّمير في قوله : (وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ) يعود على (مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) والإخبار عنه بالمصدر وهو (لَفِسْقٌ) مبالغة في وصف الفعل ، وهو ذكر اسم غير الله ، بالفسق حتّى تجاوز الفسق صفة الفعل أن صار صفة المفعول فهو من المصدر المراد به اسم المفعول : كالخلق بمعنى المخلوق ، وهذا نظير جعله فسقا في قوله بعد : (أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ) [الأنعام : ١٤٥]. والتّأكيد بإنّ : لزيادة التّقرير ، وجعل في «الكشاف» الضّمير عائدا إلى الأكل المأخوذ من (وَلا تَأْكُلُوا) ، أي وإنّ أكله لفسق.
وقوله : (وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ) عطف على : (وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ) ، أي : واحذروا جدل أولياء الشّياطين في ذلك ، والمراد بأولياء الشّياطين :المشركون ، وهم المشار إليهم بقوله ، فيما مرّ : (يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ) [الأنعام : ١١٢] وقد تقدّم بيانه.
والمجادلة المنازعة بالقول للإقناع بالرأي ، وتقدّم بيانها عند قوله تعالى : (وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ) في سورة النساء [١٠٧] ، والمراد هنا المجادلة في إبطال أحكام الإسلام وتحبيب الكفر وشعائره ، مثل قولهم : كيف نأكل ما نقتل بأيدينا ولا نأكل ما قتله الله.
وقوله : (وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ) حذف متعلّق (أَطَعْتُمُوهُمْ) لدلالة المقام عليه ، أي : إن أطعتموهم فيما يجادلونكم فيه ، وهو الطّعن في الإسلام ، والشكّ في صحّة أحكامه. وجملة : (إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ) جواب الشّرط. وتأكيد الخبر بإنّ لتحقيق التحاقهم بالمشركين إذا أطاعوا الشّياطين ، وإن لم يدعوا لله شركاء ، لأنّ تخطئة أحكام الإسلام تساوي الشرك ، فلذلك احتيج إلى التّأكيد ، أو أراد : إنّكم لصائرون إلى الشّرك ، فإنّ الشّياطين تستدرجكم بالمجادلة حتّى يبلغوا بكم إلى الشرك ، فيكون اسم الفاعل مرادا به