في الذكاة ، ولا كونها شرطا أو غير شرط بله حكم نسيانها. وإن جعلنا هذا المقصد بمنزلة سبب للنّزول ، واعتددنا بالموصول صادقا على كلّ ما لم يذكر اسم الله عليه ، كانت الآية من العامّ الوارد على سبب خاصّ ، فلا يخصّ بصورة السّبب ، وإلى هذا الاعتبار مال جمهور الفقهاء المختلفين في حكم التّسمية على الذّبيحة.
وهي مسألة مختلف فيها بين الفقهاء على أقوال : أحدها : أنّ المسلم إن نسي التّسمية على الذبح تؤكل ذبيحته ، وإن تعمّد ترك التّسمية استخفافا أو تجنّبا لها لم تؤكل (وهذا مثل ما يفعله بعض الزّنوج من المسلمين في تونس وبعض بلاد الإسلام الّذين يزعمون أنّ الجنّ تمتلكهم ، فيتفادون من أضرارها بقرابين يذبحونها للجنّ ولا يسمّون اسم الله عليها ، لأنّهم يزعمون أنّ الجنّ تنفر من اسم الله تعالى خيفة منه ، (وهذا متفشّ بينهم في تونس ومصر) فهذه ذبيحة لا تؤكل. ومستند هؤلاء ظاهر الآية مع تخصيصها أو تقييدها بغير النّسيان ، إعمالا لقاعدة رفع حكم النّسيان عن النّاس. وإن تعمّد ترك التّسمية لا لقصد استخفاف أو تجنّب ولكنّه تثاقل عنها ، فقال مالك ، في المشهور ، وأبو حنيفة ، وجماعة ، وهو رواية عن أحمد : لا تؤكل. ولا شكّ أنّ الجهل كالنّسيان ، ولعلّهم استدلّوا بالأخذ بالأحوط في احتمال الآية اقتصارا على ظاهر اللّفظ دون معونة السياق.
الثّاني : قال الشّافعي ، وجماعة ، ومالك ، في رواية عنه : تؤكل ، وعندي أنّ دليل هذا القول أنّ التّسمية تكملة للقربة ، والذكاة بعضها قربة وبعضها ليست بقربة ، ولا يبلغ حكم التّسمية أن يكون مفسدا للإباحة. وفي «الكشاف» أنّهم تأوّلوا ما لم يذكر اسم الله عليه بأنّه الميتة خاصّة ، وبما ذكر غير اسم الله عليه. وفي «أحكام القرآن» لابن العربي ، عن إمام الحرمين : ذكر الله إنّما شرع في القرب ، والذبح ليس بقربة. وظاهر أنّ العامد آثم وأنّ المستخفّ أشدّ إثما. وأمّا تعمّد ترك التّسمية لأجل إرضاء غير الله فحكمه حكم من سمّى لغير الله تعالى. وقيل : إن ترك التّسمية عمدا يكره أكلها ، قاله أبو الحسن بن القصّار ، وأبو بكر الأبهري من المالكيّة. ولا يعدّ هذا خلافا ، ولكنّه بيان لقول مالك في إحدى الرّوايتين. وقال أشهب ، والطبري : تؤكل ذبيحة تارك التّسمية عمدا ، إذا لم يتركها مستخفا. وقال عبد الله بن عمر ، وابن سيرين ، ونافع ، وأحمد بن حنبل ، وداود : لا تؤكل إذا لم يسمّ عليها عمدا أو نسيانا ، أخذا بظاهر الآية ، دون تأمّل في المقصد والسّياق.
وأرجح الأقوال : هو قول الشّافعي. والرّواية الأخرى عن مالك ، إن تعمّد ترك التّسمية تؤكل ، وأنّ الآية لم يقصد منها إلّا تحريم ما أهل به لغير الله بالقرائن الكثيرة التي