والمعنى : إذا جاءتهم آية من آيات القرآن ، أي تليت عليهم آية فيها دعوتهم إلى الإيمان. فعبّر بالمجيء عن الإعلام بالآية أو تلاوتها تشبيها للإعلام بمجيء الدّاعي أو المرسل. والمراد أنّهم غير مقتنعين بمعجزة القرآن ، وأنّهم يطلبون معجزات عينية مثل معجزة موسى ومعجزة عيسى ، وهذا في معنى قولهم : (فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ) [الأنبياء : ٥] لجهلهم بالحكمة الإلهيّة في تصريف المعجزات بما يناسب حال المرسل إليهم ، كما حكى الله تعالى : (وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) [العنكبوت : ٥٠ ، ٥١] ؛ وقال النّبيء صلىاللهعليهوسلم : «ما من الأنبياء نبيء إلّا أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر ، وإنّما كان الّذي أوتيت وحيا أوحى الله إليّ» الحديث.
وأطلق على إظهار المعجزة لديهم بالإيتاء في حكاية كلامهم إذ قيل : (حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللهِ) لأنّ المعجزة لمّا كانت لإقناعهم بصدق الرّسول عليه الصّلاة والسلام أشبهت الشّيء المعطى لهم.
ومعنى : (مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللهِ) مثل ما أتى الله الرّسل من المعجزات الّتي أظهروها لأقوامهم. فمرادهم الرّسل الّذين بلغتهم أخبارهم. وقيل : قائل ذلك فريق من كبراء المشركين بمكّة ، قال الله تعالى : (بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً) [المدثر : ٥٢]. روي أنّ الوليد بن المغيرة ، قال للنّبي صلىاللهعليهوسلم : لو كانت النّبوءة لكنت أولى بها منك لأنّي أكبر منك سنّا وأكثر مالا وولدا ؛ وأنّ أبا جهل قال : زاحمنا (يعني بني مخزوم) بنو عبد مناف في الشّرف ، حتّى إذا صرنا كفرسي رهان قالوا : منّا نبيء يوحى إليه ، والله لا نرضى به ولا نتّبعه أبدا إلّا أن يأتينا وحي كما يأتيه. فكانت هذه الآية مشيرة إلى ما صدر من هذين ، وعلى هذا يكون المراد حتّى يأتينا وحي كما يأتي الرّسل.
أو يكون المراد برسل الله جميع الرّسل ، فعدلوا عن أن يقولوا مثل ما أوتي محمّدصلىاللهعليهوسلم ، لأنّهم لا يؤمنون بأنّه يأتيه وحي. ومعنى (نُؤْتى) على هذا الوجه نعطى مثل ما أعطي الرّسل ، وهو الوحي. أو أرادوا برسل الله محمّدا صلىاللهعليهوسلم فعبّروا عنه بصيغة الجمع تعريضا ، كما يقال : إنّ ناسا يقولون كذا ، والمراد شخص معيّن ، ومنه قوله تعالى : (كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ) [الشعراء : ١٠٥] ونحوه ، ويكون إطلاقهم عليه : (رُسُلُ اللهِ) تهكّما به صلىاللهعليهوسلم كما حكاه الله عنهم في قوله : (وَقالُوا يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ) [الحجر : ٦] وقوله : (إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ) [الشعراء : ٢٧].