للإسلام ، مع قرينة قوله : (يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ) ، وأمّا قوله : (فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ) [الصافات : ٢٣] فهو تهكّم. والضّلال إنّما يكون في أحوال مضرّة لأنّ حقيقته خطأ الطّريق المطلوب ، فلذلك كان مشعرا بالضرّ وإن لم يذكر متعلّقه ، فهو هنا الاتّصاف بالكفر لأنّ فيه إضاعة خير الإسلام ، فهو كالضّلال عن المطلوب ، وإن كان الضّالّ غير طالب للإسلام ، لكنّه بحيث لو استقبل من أمره ما استدبر لطلبه.
والشّرح حقيقته شقّ اللّحم ، والشّريحة القطعة من اللّحم تشقّ حتّى ترقّق ليقع شيّها. واستعمل الشّرح في كلامهم مجازا في البيان والكشف ، واستعمل أيضا مجازا في انجلاء الأمر ، ويقين النّفس به ، وسكون البال للأمر ، بحيث لا يتردّد فيه ولا يغتمّ منه ، وهو أظهر التّفسيرين في قوله تعالى : (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) [الشرح : ١].
والصّدر مراد به الباطن ، مجازا في الفهم والعقل بعلاقة الحلول ، فمعنى (يَشْرَحْ صَدْرَهُ) يجعل لنفسه وعقله استعدادا وقبولا لتحصيل الإسلام ، ويوطّنه لذلك حتّى يسكن إليه ويرضى به ، فلذلك يشبّه بالشّرح ، والحاصل للنّفس يسمّى انشراحا ، يقال : لم تنشرح نفسي لكذا ، وانشرحت لكذا. وإذا حلّ نور التّوفيق في القلب كان القلب كالمتّسع ، لأنّ الأنوار توسّع مناظر الأشياء. روى الطّبري وغيره ، عن ابن مسعود : «أنّ ناسا قالوا : يا رسول الله كيف يشرح الله صدره للإسلام ـ فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : يدخل فيه النّور فينفسح ـ قالوا ـ وهل لذلك من علامة يعرف بها ـ قال ـ الإنابة إلى دار الخلود ، والتنحّي عن دار الغرور ، والاستعداد للموت قبل الفوت».
ومعنى : (وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ) من يرد دوام ضلاله بالكفر ، أو من يرد أن يضلّه عن الاهتداء إلى الإسلام ، فالمراد ضلال مستقبل ، إمّا بمعنى دوام الضلال الماضي ، وإمّا بمعنى ضلال عن قبول الإسلام ، وليس المراد أن يضلّه بكفره القديم ، لأنّ ذلك قد مضى وتقرّر.
والضيّق ـ بتشديد الياء بوزن فيعل ـ مبالغة في وصف الشّيء بالضيّق ، يقال ضاق ضيقا ـ بكسر الضاد ـ وضيقا ـ بفتحها ـ والأشهر كسر الضاد في المصدر والأقيس الفتح ؛ ويقال بتخفيف الياء بوزن فعل ، وذلك مثل ميّت وميت ، وهما وإن اختلفت زنتهما ، وكانت زنة فيعل في الأصل تفيد من المبالغة في حصول الفعل ما لا تفيده زنة فعل ، فإنّ الاستعمال سوّى بينهما على الأصحّ. والأظهر أنّ أصل ضيّق : بالتخفيف وصف بالمصدر ، فلذلك استويا في إفادة المبالغة بالوصف. وقرئ بهما في هذه الآية ، فقرأها