قال سيبويه (١) القيدود الطويل في غير سماء ـ أي في غير ارتفاع صعدا» أراد أبو عليّ الاستظهار بكلام سيبويه على أنّ اسم السّماء يقال للفضاء الذّاهب في ارتفاع (وليست عبارة سيبويه تفسيرا للآية).
وحرف (فِي) يجوز أن يكون بمعنى (إلى) ، ويجوز أن يكون بمعنى الظرفية : إمّا بمعنى كأنّه بلغ السّماء وأخذ يصعد في منازلها ، فتكون هيئة تخييلية ، وإمّا على تأويل السّماء بمعنى الجوّ.
وجملة : (كَذلِكَ يَجْعَلُ اللهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) تذييل للتي قبلها ، فلذلك فصلت.
والرجس : الخبث والفساد ، ويطلق على الخبث المعنوي والنّفسي. والمراد هنا خبث النّفس وهو رجس الشّرك ، كما قال تعالى : (وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ) [التوبة : ١٢٥] أي مرضا في قلوبهم زائدا على مرض قلوبهم السّابق ، أي أرسخت المرض في قلوبهم ، وتقدّم في سورة المائدة [٩٠] (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ) فالرجس يعمّ سائر الخباثات النّفسيّة ، الشّاملة لضيق الصّدر وحرجه ، وبهذا العموم كان تذييلا ، فليس خاصّا بضيق الصدر حتّى يكون من وضع المظهر موضع المضمر.
وقوله : (كَذلِكَ) نائب عن المفعول المطلق المراد به التّشبيه والمعنى : يجعل الله الرجس على الّذين لا يؤمنون جعلا كهذا الضيق والحرج الشّديد الّذي جعله في صدور الّذين لا يؤمنون.
و (عَلَى) في قوله : (عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) تفيد تمكّن الرجس من الكافرين ، فالعلاوة مجاز في التمكّن ، مثل : (أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ) [البقرة : ٥] والمراد تمكّنه من قلوبهم وظهور آثاره عليهم. وجيء بالمضارع في (يَجْعَلْ) لإفادة التّجدّد في المستقبل ، أي هذه سنّة الله في كلّ من ينصرف عن الإيمان ، ويعرض عنه.
و (الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) موصول يومئ إلى علّة الخبر ، أي يجعل الله الرجس متمكّنا منهم لأنّهم يعرضون عن تلقّيه بإنصاف ، فيجعل الله قلوبهم متزايدة بالقساوة. والموصول
__________________
(١) في باب ما تقلب فيه الواو ياء من «كتاب» سيبويه ، أي كما أطلق سيبويه في كلامه السّماء على الارتفاع.