الأمر ، ولكن عاقبة وعقبى.
وقد خصّص الاستعمال لفظ العاقبة بآخرة الأمر الحسنة ، قال الراغب : العاقبة والعقبى يختصّان بالثّواب نحو (وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) [الأعراف : ١٢٨] ، وبالإضافة قد يستعمل في العقوبة نحو (ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى) [الروم : ١٠] وقلّ من نبّه على هذا ، وهو من تدقيقه ، وشواهده في القرآن كثيرة.
والدّار الموضع الّذي يحلّ به النّاس من أرض أو بناء ، وتقدّم آنفا عند قوله تعالى : (لَهُمْ دارُ السَّلامِ) [الأنعام : ١٢٧] ، وتعريف الدّار هنا تعريف الجنس. فيجوز أن يكون لفظ (الدَّارِ) مطلقا ، على المعنى الحقيقي ، فإضافة (عاقِبَةُ) إلى (الدَّارِ) إضافة حقيقية ، أي حسن الإخارة الحاصل في الدّار ، وهي الفوز بالدّار ، والفلج في النّزاع عليها ، تشبيها بما كان العرب يتنازعون على المنازل والمراعي ، وبذلك يكون قوله : (مَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ) استعارة تمثيلية مكنية ، شبّهت حالة المؤمنين الفائزين في عملهم ، مع حالة المشركين ، بحالة الغالب على امتلاك دار عدوّه ، وطوي المركّب الدالّ على الهيئة المشبّه بها ، ورمز إليه بذكر ما هو من روادفه ، وهو (عاقِبَةُ الدَّارِ) ، فإنّ التّمثيليّة تكون مصرّحة ، وتكون مكنية ، وإن لم يقسّموها إليهما ، لكنّه تقسيم لا محيص منه. ويجوز أن تكون (الدَّارِ) مستعارة للحالة الّتي استقرّ فيها أحد ، تشبيها للحالة بالمكان في الاحتواء ، فتكون إضافة عاقبة إلى الدار إضافة بيانية ، أي العاقبة الحسنى الّتي هي حاله ، فيكون الكلام استعارة مصرّحة.
ومن محاسنها هنا : أنّها بنت على استعارة المكانة للحالة في قوله : (اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ) فصار المعنى : اعملوا في داركم ما أنتم عاملون فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدار. وفي الكلام مع ذلك إيماء إلى أنّ عاقبة تلك الدار ، أي بلد مكة ، أن تكون للمسلمين ، كقوله تعالى : (أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ) [الأنبياء : ١٠٥] وقد فسّر قوله : (مَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ) بغير هذا المعنى.
وقرأ الجمهور : (مَنْ تَكُونُ) ـ بتاء فوقيّة ـ وقرأه حمزة ، والكسائي ، بتحتيّة ، لأنّ تأنيث عاقبة غير حقيقي ، فلمّا وقع فاعلا ظاهرا فيجوز فيه أن يقرن بعلامة التّأنيث وبدونها.
وجملة : (إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) تذييل للوعيد يتنزّل منزلة التّعليل ، أي لأنّه لا يفلح الظّالمون ، ستكون عقبى الدار للمسلمين ، لا لكم ، لأنّكم ظالمون.