ومفعول (اعْمَلُوا) محذوف لأنّ الفعل نزّل منزلة اللّازم ، أي اعملوا عملكم المألوف الّذي هو دأبكم ، وهو الإعراض والتّكذيب بالحقّ.
و (عَلى) مستعملة في التمكّن على وجه الاستعارة التّبعيّة ، وهي مناسبة لاستعارة المكانة للحالة. لأنّ العلاوة تناسب المكان ، فهي ترشيح للاستعارة ، مستعار من ملائم المشبه به لملائم المشبه. والمعنى : الزموا حالكم فلا مطمع لي في اتّباعكم.
وقرأ الجمهور : (عَلى مَكانَتِكُمْ) ـ بالإفراد ـ. وقرأه أبو بكر عن عاصم : مكاناتكم جمع مكانة. والجمع باعتبار جمع المضاف إليه.
وجملة : (إِنِّي عامِلٌ) تعليل لمفاد التّسوية من الأمر في قوله : (اعْمَلُوا) أي لا يضرّني تصميمكم على ما أنتم عليه ، لكنّي مستمرّ على عملي ، أي أنّي غير تارك لما أنا عليه من الإيمان والدّعاء إلى الله. وحذف متعلّق : (إِنِّي عامِلٌ) للتّعميم مع الاختصار ، وسيأتي تفصيله في نظيره من سورة الزمر.
ورتّب على عملهم وعمله الإنذار بالوعيد (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) بفاء التّفريع للدّلالة على أنّ هذا الوعيد متفرّع على ذلك التّهديد.
وحرف التّنفيس مراد منه تأكيد الوقوع لأنّ حرفي التّنفيس يؤكّدان المستقبل كما تؤكّد (قد) الماضي ، ولذلك قال سيبويه في الكلام على (لن) : إنّها لنفي سيفعل ، فأخذ منه الزمخشري إفادتها تأكيد النّفي. وهذا صريح في التّهديد ، لأنّ إخبارهم بأنّهم سيعلمون يفيد أنّه يعلم وقوع ذلك لا محالة ، وتصميمه على أنّه عامل على مكانته ومخالف لعملهم يدلّ على أنّه موقن بحسن عقباه وسوء عقباهم ، ولو لا ذلك لعمل عملهم ، لأنّ العاقل لا يرضى الضرّ لنفسه ، فدلّ قوله : (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) على أنّ علمهم يقع في المستقبل ، وأمّا هو فعالم من الآن ، ففيه كناية عن وثوقه بأنّه محقّ ، وأنّهم مبطلون ، وسيجيء نظير هذه الآية في قصّة شعيب من سورة هود.
وقوله : (مَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ) استفهام ، وهو يعلّق فعل العلم عن العمل ، فلا يعطى مفعولين استغناء بمفاد الاستفهام ؛ إذ التّقدير : تعلمون أحدنا تكون له عاقبة الدار. وموضع : (مَنْ) رفع على الابتداء ، وجملة : (تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ) خبره.
والعاقبة ، في اللّغة : آخر الأمر ، وأثر عمل العامل ، فعاقبة كلّ شيء هي ما ينجلي عنه الشّيء ويظهر في آخره من أثر ونتيجة ، وتأنيثه على تأويل الحالة فلا يقال : عاقب