والشّركاء هنا جمع شريك ، أي شريك الله سبحانه في الإلهية ، ولمّا شاع ذلك عندهم صار كالعلم بالغلبة ، فلذلك استغنى عن الإضافة إلى ما فيه المعنى المشتقّ منه أعني الشّركة ثمّ لأجل غلبته في هذا المعنى صار بمنزلة اللّقب ، فلذلك أضافوه إلى ضميرهم ، فقالوا : لشركائنا ، إضافة معنوية لا لفظيّة ، أي للشّركاء الّذين يعرفون بنا. قال ابن عبّاس وأصحابه: كان المشركون يجعلون لله من حروثهم (يعني زرعهم وشجرهم) وأنعامهم نصيبا وللأوثان نصيبا فما كان للأصنام أنفقوه عليها وما كان لله أطعموه الضيفان والمساكين ولا يأكلون منه البتة.
وكانوا يجعلون البحيرة والسائبة والوصيلة والحامي للأصنام. وذكر ابن إسحاق : أنّ (خولان) كان لهم صنم اسمه (عمّ أنس) يقسمون له من أنعامهم وحروثهم قسما بينه وبين الله ، فما دخل في حق (عمّ أنس) من حقّ الله الّذي سمّوه له تركوه للصّنم وما دخل في حقّ الله من حقّ (عمّ أنس) ردّوه عليه ، ومنهم بطن يقال لهم (الأديم) قال : وفيهم نزل قوله تعالى : (وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ) الآية.
وقوله : (فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللهِ وَما كانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلى شُرَكائِهِمْ). قال ابن عبّاس وقتادة : كانوا إذا جمعوا الزرع فهبت الرّيح فحملت من الّذي لله إلى الّذي لشركائهم أقرّوه وقالوا : إنّ الله غنيّ عنه ، وإذا حملت من الّذي لشركائهم إلى الّذي لله ردّوه ، وإذا هلك ما لأصنامهم بقحط أخذوا بدله ممّا لله ، ولا يفعلون ذلك فيما لله ، وإذا انفجر من سقي ما جعلوه لله فساح إلى ما للّذي للأصنام تركوه وإذا انفجر من سقي ما للأصنام فدخل في زرع الّذي لله سدّوه. وكانوا إذا أصابتهم سنة استعانوا بما جعلوه لله فأنفقوه على أنفسهم وأقرّوا ما جعلوه لشركائهم للشركاء ، وإذا هلك الّذي جعلوه للأصنام وكثر الّذي جعلوه لله قالوا : ليس لآلهتنا بدّ من نفقة وأخذوا الّذي جعلوه لله فأنفقوه عليها ، وإذا أجدب الّذي لله وكثر الّذي لآلهتهم قالوا : لو شاء الله أزكى الّذي له فلا يردّون على ما جعلوه لله شيئا ممّا لآلهتهم ، فقوله : (فَلا يَصِلُ إِلَى اللهِ) مبالغة في صونه من أن يعطى لما لله لأنّه إذا كان لا يصل فهو لا يترك إذا وصل بالأولى.
وعدّي (يَصِلُ) إلى اسم الجلالة وإلى اسم شركائهم. والمراد لا يصل إلى النّصيب المجعول لله أو إلى لشركائهم لأنّهم لما جعلوا نصيبا لله ونصيبا لشركائهم فقد استشعروا ذلك النّصيب محوزا لمن جعل إليه وفي حرزه فكأنّه وصل إلى ذاته.
وجملة : (ساءَ ما يَحْكُمُونَ) استئناف لإنشاء ذمّ شرائعهم. وساء هنا بمعنى بئس :