وكان في ربيعة ومضر ، وهما جمهرة العرب ، وليس كلّ الآباء من هاتين القبيلتين يفعله.
وأسند التّزيين إلى الشّركاء : إمّا لإرادة الشّياطين الشّركاء ، فالتّزيين تزيين الشّياطين بالوسوسة ، فيكون الإسناد حقيقة عقليّة ، وإمّا لأنّ التّزيين نشأ لهم عن إشاعة كبرائهم فيهم ، أو بشرع وضعه لهم من وضع عبادة الأصنام وفرض لها حقوقا في أموالهم مثل عمرو بن لحي ، فيكون إسناد التّزيين إلى الشّركاء مجازا عقليا لأنّ الأصنام سبب ذلك بواسطة أو بواسطتين ، وهذا كقوله تعالى : (فَما أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَما زادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ) [هود : ١٠١].
والمعنيّ بقتل الأولاد في هذه الآية ونحوها هو الواد ، وهو دفن البنات الصغيرات أحياء فيمتن بغمّة التّراب ، كانوا يفعلون ذلك خشية الفقر ، كما قال تعالى : (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ) [الإسراء : ٣١] ، وخشية أن تفتضح الأنثى بالحاجة إذا هلك أبوها ، أو مخافة السّباء ، وذكر في «الروض الأنف» عن النّقّاش في «تفسيره» : أنّهم كانوا يئدون من البنات من كانت زرقاء أو برشاء ، أو شيماء ، أو رسحاء ، تشاؤما بهنّ ـ وهذا من خور أوهامهم ـ وأنّ ذلك قوله تعالى : (وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ) [التكوير : ٨ ، ٩] ، وقيل : كانوا يفعلون ذلك من شدّة الغيرة خشية أن يأتين ما يتعيّر منه أهلهنّ.
وقد ذكر المبرّد في «الكامل» ، عن أبي عبيدة : أنّ تميما منعت النّعمان بن المنذر الإتاوة فوجّه إليهم أخاه الريان بن المنذر فاستاق النّعم وسبى الذّراري ، فوفدت إليه بنو تميم فأنابوا وسألوه النّساء فقال النّعمان : كلّ امرأة اختارت أباها ردّت إليه وإن اختارت صاحبها (أي الّذي صارت إليه بالسبي) تركت عليه فكلّهنّ اختارت أباها إلّا ابنة لقيس بن عاصم اختارت صاحبها عمرو بن المشمرج ، فنذر قيس أن لا تولد له ابنة إلّا قتلها فهذا شيء يعتلّ به من وأدوا ، يقولون : فعلناه أنفة ، وقد أكذب الله ذلك في القرآن ، أي بقوله : (قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً) [الأنعام : ١٤٠].
وذكر البخاري ، أنّ أسماء بنت أبي بكر ، قالت : كان زيد بن عمرو بن نفيل يحيي الموءودة ، يقول للرجل إذا أراد أن يقتل ابنته : لا تقتلها أنا أكفيك مئونتها ، فيأخذها فإذا ترعرعت قال لأبيها : إن شئت دفعتها إليك وإن شئت كفيتك مئونتها. والمعروف أنّهم كانوا يئدون البنت وقت ولادتها قبل أن تراها أمّها ، قال الله تعالى : (وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ أَلا ساءَ ما يَحْكُمُونَ) [النحل : ٥٨ ، ٥٩]. وكان صعصعة بن معاوية من