المصدر إلى مفعوله. وقرأه ابن عامر : زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركائهم ببناء فعل (زَيَّنَ) للنّائب ، ورفع (قَتْلَ) على أنه نائب الفاعل ، ونصب (أَوْلادِهِمْ) على أنّه مفعول (قَتْلَ) ، وجرّ (شُرَكائِهِمْ) على إضافة (قَتْلَ) إليه من إضافة المصدر إلى فاعله ، وكذلك رسمت كلمة (شُرَكائِهِمْ) في المصحف العثماني الّذي ببلاد الشّام ، وذلك دليل على أنّ الّذين رسموا تلك الكلمة راعوا قراءة (شُرَكائِهِمْ) بالكسر وهم من أهل الفصاحة والتّثبت في سند قراءات القرآن ، إذا كتب كلمة (شُرَكائِهِمْ) بصورة الياء بعد الألف ، وذلك يدلّ على أنّ الهمزة مكسورة ، والمعنى ، على هذه القراءة : أنّ مزيّنا زيّن لكثير من المشركين أن يقتل شركاؤهم أولادهم ، فإسناد القتل إلى الشّركاء على طريقة المجاز العقلي إمّا لأنّ الشّركاء سبب القتل إذا كان القتل قربانا للأصنام ، وإمّا لأنّ الّذين شرعوا لهم القتل هم القائمون بديانة الشّرك مثل عمرو بن لحي ومن بعده ، وإذا كان المراد بالقتل الوأد ، فالشركاء سبب وإن كان الوأد قربانا للأصنام وإن لم يكن قربانا لهم (وهو المعروف) فالشركاء سبب السبب ، لأنه من شرائع الشرك.
وهذه القراءة ليس فيها ما يناكد فصاحة الكلام لأنّ الإعراب يبيّن معاني الكلمات ومواقعها ، وإعرابها مختلف من رفع ونصب وجرّ بحيث لا لبس فيه ، وكلماتها ظاهر إعرابها عليها ، فلا يعدّ ترتيب كلماتها على هذا الوصف من التّعقيد المخلّ بالفصاحة ، مثل التّعقيد الّذي في قول الفرزدق :
وما مثله في النّاس إلّا مملّكا |
|
أبو أمّه حيّ أبوه يقاربه |
ـ لأنّه ضمّ إلى خلل ترتيب الكلام أنّه خلل في أركان الجملة وما حفّ به من تعدّد الضّمائر المتشابهة ـ وليس في الآية ممّا يخالف متعارف الاستعمال إلّا الفصل بين المضاف والمضاف إليه بالمفعول ، والخطب فيه سهل : لأنّ المفعول ليس أجنبيا عن المضاف والمضاف إليه بالمفعول ، وجاء الزمخشري في ذلك بالتّهويل ، والضّجيج والعويل ، كيف يفصل بين المضاف والمضاف إليه بالمفعول وزاد طنبور الإنكار نغمة. فقال : والذي حمله على ذلك أنّه رأى في بعض المصاحف : (شُرَكائِهِمْ) مكتوبا بالياء ، وهذا جري على عادة الزمخشري في توهين القراءات المتواترة ، إذا خالفت ما دوّن عليه علم النّحو ، لتوهّمه أنّ القراءات اختيارات وأقيسة من القرّاء ، وإنّما هي روايات صحيحة متواترة وفي الإعراب دلالة على المقصود لا تناكد الفصاحة.
ومدوّنات النّحو ما قصد بها إلّا ضبط قواعد العربيّة الغالبة ليجري عليها النّاشئون في