اللّغة العربيّة ، وليست حاصرة لاستعمال فصحاء العرب ، والقرّاء حجّة على النّحاة دون العكس ، وقواعد النّحو لا تمنع إلّا قياس المولّدين على ما ورد نادرا في الكلام الفصيح ، والنّدرة لا تنافي الفصاحة ، وهل يظنّ بمثل ابن عامر أنّه يقرأ القرآن متابعة لصورة حروف التهجّي في الكتابة. ومثل هذا لا يروج على المبتدئين في علم العربيّة ، وهلّا كان رسم المصحف على ذلك الشّكل هاديا للزمخشري أن يتفطّن إلى سبب ذلك الرسم. أمّا ابن عطيّة فقال : «هي قراءة ضعيفة في استعمال العرب» يريد أنّ ذلك الفصل نادر ، وهذا لا يثبت ضعف القراءة لأنّ الندور لا ينافي الفصاحة.
وبعّد ابن عطيّة هذه القراءة بعدم مناسبتها للتّعليل بقوله : (لِيُرْدُوهُمْ) وتبعيد ابن عطيّة لها توهّم : إذ لا منافاة بين أن يزيّنوا لهم قتل أولادهم وبين التّعليل فإنّ التّعليل يستعمل في العاقبة مجازا مثل قوله تعالى : (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً) [القصص : ٨]. ومن العجيب قول الطّبري : والقراءة الّتي لا أستجيز غيرها ـ بفتح الزاي ونصب : القتل وخفض : (أَوْلادِهِمْ) ورفع : (شُرَكاؤُهُمْ). وذلك على عادته في نصب نفسه حكما في التّرجيح بين القراءات.
واللّام في : (لِيُرْدُوهُمْ) لام العاقبة إن كان المراد بالشّركاء الأصنام ، أي زيّنوا لهم ذلك قصدا لنفعهم ، فانكشف عن أضرار جهلوها. وإن كان المراد بالشّركاء الجنّ ، أي الشّياطين فاللّام للتّعليل : لأنّ الإيقاع في الشرّ من طبيعة الوسواس لأنّه يستحسن الشرّ وينساق إليه انسياق العقرب للّسع من غير قصد إلى كون ما يدعونهم إليه مرديا وملبسا فإنّهم أولياؤهم لا يقصدون إضرارهم ولكنّهم لمّا دعوهم إلى أشياء هي في نفس الأمر مضارّ كان تزيينهم معلّلا بالإرداء والإلباس وإن لم يفقهوه بخلاف من دعا لسبب فتبيّن خلافه ، والضّمير للشّركاء والتّعليل للتّزيين.
والإرداء : الإيقاع في الرّدى ، والردى : الموت ، ويستعمل في الضرّ الشّديد مجازا أو استعارة وذلك المراد هنا.
ولبس عليه أوقعه في اللّبس ، وهو الخلط والاشتباه ، وقد تقدّم في قوله تعالى : (وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ) في سورة البقرة [٤٢] ، وفي قوله : (وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ) في هذه السّورة [٩]. أي أن يخلطوا عليهم دينهم فيوهموهم الضّلال رشدا وأنّه مراد الله منهم ، فهم يتقرّبون إلى الله وإلى الأصنام لتقرّبهم إلى الله ، ولا يفرّقون بين ما يرضاه الله وما لا يرضاه ، ويخيّلون إليهم أنّ وأد البنات مصلحة. ومن أقولهم : «دفن البناه